محمد بن عبدالله بن أحمد باضريس
إن الزمن الذي نعيشه في الأيام الحالية هو زمن الفتن والاشاعات بمختلف صورها المرئي أو غير المرئي «كتابي» وذهاب إحسان الظن والتماس الأعذار للناس وفي الحقيقة أن مشكلة الناس اليوم انهم يحكمون على الظاهر دون التأكد والتحقق من المعلومة أو التروي بها قبل اصدار الحكم، وتكوين صورة خطأ عن الشخص، ولربما بالغوا في «الظن» لدرجة انهم يحكمون على النوايا التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
سأروي لكم قصة منقولة عن مذكرات السلطان مراد الرابع، وهو أحد الخلفاء العثمانيين، يقول: «إنه حصل له في ليلة ضيق شديد لا يعلم سببه، فنادى لرئيس حرسه واخبره، وكان من عادته تفقد أحوال الناس متخفياً، فقال: لنخرج نتمشى قليلاً بين الناس، فسارا حتى وصلا حارة متطرفة، فوجدا رجلاً مرمياً على الأرض، فحركه السلطان، فإذا هو ميت والناس يمرون من حوله ولا أحد يهتم، فنادى عليهم تعالوا وهم لا يعرفونه، قالوا: ماذا تريد؟ قال: لماذا هذا الرجل ميت ولا أحد يحمله؟ من هو؟ وأين أهله؟ قالوا: هذا فلان الزنديق شارب الخمر والزاني، قال: أليس هو من أمة محمد عليه الصلاة والسلام؟ فاحملوه معي إلى بيته، ففعلوا، ولما رأته زوجته أخذت تبكي، وذهب الناس وبقي السلطان ورئيس الحرس، وأثناء بكائها كانت تقول: رحمك الله يا ولي الله، أشهد أنك من الصالحين، فتعجب السلطان مراد، وقال: كيف يكون من الاولياء، والناس تقول عنه كذا وكذا...، حتى إنهم لم يكترثوا لموته؟!! قالت: كنت أتوقع هذا، إن زوجي كان يذهب كل ليلة للخمارين يشتري ما استطاع من الخمر ثم يحضره للبيت ويصبه في المرحاض ويقول: أخففت عن المسلمين، وكان يذهب إلى من تفعل الفاحشة يعطيها المال ويقول: هذه الليلة على حسابي، أغلقي بابك حتى الصباح، ويرجع ويقول: الحمد لله خففت عنها، وعن شباب المسلمين الليلة!
فكان الناس يشاهدونه يشتري الخمر ويدخل على المرأة فيتكلمون فيه، وقلت له مرة: إنك لو مت لن تجد من يغسلك ويصلي عليك ويدفنك، فضحك وقال: لا تخافي، سيصلي علي سلطان المسلمين والعلماء، فبكى السلطان وقال: صدق والله، أنا السلطان مراد، وغداً نغسله ونصلي عليه وندفنه، وكان كذلك، فشهد جنازته السلطان والعلماء والناس»!
في زمن الطيبين والسلف الصالح عرفوا معنى «حسن الظن» وطبقوا حديث:» إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث...». وقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}. وفي الختام أحسنوا الظن بالناس ولا تنخدعوا بالظاهر.