د. تنيضب الفايدي
هموم الحياة وأوجاعها وإشغال نفسك بأخطاء الآخرين يسبب القلق ويشغل الذهن فيما لا فائدة فيه، لذا فإن العلاج أن تسامح من يخطئ عليك ويقدم لك الاعتذار على ذلك، فلا يعتبر التسامح من الضعف الشخصي، بل إن التسامح يذهب عنك الهموم والأحزان، وضع أمامك بأنه ليس لديك الوقت في هذه الدنيا للحزن والضيق والغضب من شخص معين، أو موقف محدد، فإذا غضبت من شخص فلا تهدر طاقتك في الغضب والضيق والحزن، وإنما الأفضل أن تسامح، ولذا نجد أن صفة التسامح من كمال أخلاق المؤمن، وما ذاك إلا لأنها تجلب السعادة له وتولد المحبة بينهما قال تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} سورة آل عمران الآية (159)، فالناس يحبّون الرجل اللين والمسامح. وقال تعالى: {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} سورة البقرة الآية (237)، وقال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (22) سورة النور. قال ابن حبان رحمه الله: «الاعتذار يُذهب الهموم ويجلي الأحزان ويدفع الحقد ويُذهب الصد، والإقلال منه تستغرق فيه الجنايات العظيمة والذنوب الكثيرة».
وتاريخنا الإسلامي مليء بقصص التسامح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».. هذه أعظم وثيقة للتسامح أطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، حينما ملك أمر من طردوه وآذوه واتهموه باتهامات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان وضيقوا الخناق على كل أتباعه ومناصريه، وبرغم كل ذلك لم يفكر رسولنا الكريم في الانتقام أو الثأر منهم أو حتى رد الإساءة بالإساءة، لا والله حاشاه بأبي هو وأمي.. بل عفا عنهم. فماذا حدث!! دخلوا في دين الله أفواجاً، وأحبّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً لا مثيل له.
وعن أنس بن مالك قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني (عباءة) غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة حتى رأيت صفح عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت بها حاشية البرد من شدة جذبته (تركت الجذبة علامة على عنق الرسول)، فقال: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء. رواه البخاري.
سبَّ رجل ابن عباس رضي الله عنهما، فلمَّا فرغ قال: يا عكرمة، هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى.
وعلى المرء عند تراكم هموم الحياة وأوجاعها أن لا يستمر على هذا الوضع، بل يبدأ الحياة من جديد بعزيمة قوية وهمة عالية، كبذور الأشجار التي تطمر تحت أكوام التراب، فهل تموت، لا... بل هي تشق الطريق إلى الأعلى مستقبلة ضوء الشمس، فالإنسان إذا عزم على الأمر حتى بعد الفشل، سوف يقدر على النجاح بقواه الكامنة وملكاته المدفونة، ويستطيع أن يبني حياته من جديد. فالطريقة الصحيحة التي تبعث السعادة في حياتك هي تجديد ذهنك يومياً، وذلك من خلال الاطلاع على الجديد في كل ما يتعلق بحياتك. اقرأ قصة خالد بن الوليد رضي الله عنه، حياته كلها مضت ضد الإسلام وضد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لما وجد رسالة من أخيه يدعوه فيها إلى التفكير في الإسلام وأن يدرك ما قد فاته إلى الآن، فكّر في الأمر وأخيراً عقد العزم على السفر إلى المدينة لكي يعلن إسلامه، وبالفعل دخل في الإسلام، وأصبح أكبر قائد مسلم في التاريخ.
كما ذكر دايل قصة وليم أوسلر كان طالباً عادياً، كان قلقاً بشأن نجاحه في الامتحانات النهائية، ولكن التقط كتاباً وقرأ بضعة كلمات كانت ذات تأثير بالغ على ذهنه وفكره، فتغيرت حياته كلها حتى أصبح من أشهر الأطباء في زمنه، إذ أصبح يدير مدرسة جونز هوبكنز للطب، كما أصبح أستاذاً ملكياً في الطب في جامعة أوكسفورد، وهو أعلى منصب يمكن لرجل طب أن يتبوأه في المملكة البريطانية، كما منح لقب فارس من قبل ملك إنكلترا، وحين توفي كتبت سيرة حياته في مجلدين يحتوي كل منهما على 1466 صفحة.