د. محمد بن صقر
ما زالت الفجوة في نظري بين الجامعات والأكاديميين العاملين ومخرجاتهم البحثية والمعرفية وحاجات المسؤولين ومتخذي القرارات في مؤسسات الدولة وهيئاتها متذبذبة بين قبول لها وانتقادها وعدم القناعة في بعضها، والسبب في ذلك أن الأكاديمي في الجامعات ما زال ينظر إلى أن أي قرار يجب أن يتم اتخاذه لا بد من أن ينبني على دراسة معرفية ونظرية ورحلة علمية تبدأ من الاستفادة من الدراسات السابقة ومنهجية علمية مختلفة باختلاف الموضوع وفرضيات ... إلخ، أو أسلوب ومنهجية أخرى قد تستغرق بعض الأشهر في حين أن المسؤول ونظراً لمعرفته الحقيقية بالواقع وأبعاد القضية والمشكلة التي يريد حلها وبشكل سريع مبني على براهين وأدلة وتوصيات قابلة للتطبيق تنطلق من مرحلة تطويرية وليس اختراع العجلة من جديد, لأن بعض التوصيات التي قد تصل إلى المسؤولين عمومية في مجملها وغير قابلة للتطبيق أو غير واقعية ليس بسبب الممكنات وإنما بسبب عدم المعرفة الواقعية والفعلية والتي يمكن أن يتم تطبيق مثل هذه التوصية بها، الأمر الثاني أن الدراسات النظرية في كثير من الأحيان تغفل الجانب الميداني، وأقصد بالجانب الميداني هنا ما تم فعله على الأرض وأين تم الوصول إليه وما المقترحات المناسبة لتقديم حلول ابتكارية لأي موضوع، مثل هذا الأمر دفعني لطرح تساؤل في حديث ودي بيني وبين أحد المسؤولين وذكر لي أن الأكاديميين ما زلوا يريدون إقامة الدراسات العلمية في الوزارات والهيئات ومن ثم الخروج بتوصيات والتي لا نعلم مدى نجاحها من عدمه، فهو يرى أن المؤسسات والهيئات والوزارات مكان لتطبيق منتج وحلول ابتكارية تخرج من الجامعات ومراكز الأبحاث والتفكير، وليس العمل على بناء منتج وتجربة في الوزارات قد تستغرق بعض الوقت، هذا الرأي قد يكون فيه نوع من القساوة نوعاً ما للباحث والأكاديمي ولكن في نظري يعتبر منطقياً إذا ما نظرنا إلى حاجة المسؤول في اتخاذ قرار بشكل سريع وذي فاعلية؛ بمعنى أن تكون الجامعات هي صيدلية الوزارات من خلال الأدوية الجاهزة والتي يتم تحضيرها وعمل مختبرات لها وتخرج مطابقة للمواصفات والمقاييس ومجربة لكثير من الأمراض وليس مستشفى تتم فيه العمليات والتي قد تكون نتائجها وخيمة في بعض الأحيان, إن مثل هذا الأمر ساقني أيضاً إلى النظر في تجربة إحدى الدول الغربية وهي بريطانيا والتي تجاوزت مثل هذا الأمر وكانت المعالجة من خلال طريقتين تتمثّل الطريقة الأولى بمفهوم أطق عليه اسم (pracadmeic) وهو المزج بين الدراسة والتطبيق من خلال إشراك أصحاب المصلحة (stakeholders) وخبراء الميدان بالأكاديميين للعمل على منتج لمتخذي القرار واستعراض التحديات من خلال الخبرة والتجارب الدولية وإعطاء أبرز الممارسات لمثل هذه القضية والأدلة الأخرى ومن ثم تقديم الحلول التي تعالج القضايا السريعة وبشكل فاعل فهي مستندة على البراهين وتتميز بالسرعة والجودة المعرفية. الطريقة الثانية التي يقومون بها هي الاعتماد على مراكز التفكير وهي منتشرة بشكل كبير في بريطانيا والدول المتقدمة وتعمل هذه المراكز وكأنها مختبرات الأفكار والابتكار لتقديم السيناريوهات والحلول ووضع الخطط الإستراتيجية والتنبؤ وتشارك فيه الجامعات بالأكاديميين والمؤسسات بالمهنيين أهل الميدان، فهم يختصرون الوقت ويقدمون الحلول السريعة الفاعلة ولعل جامعة هارفرد والنماذج العلمية التي تنتجها والخطط التي تقدمها لكثير من المؤسسات لأكبر دليل على مدى الاستفادة من الجامعات ومخرجاتها لدى كثير من المسؤولين في الخارج وهذا ما يجب العمل به لدينا في قرارات المسؤولين.