الهادي التليلي
عشرية وأكثر مرت على ما يسمى بشرارة الربيع العربي التي انطلقت من تونس وسط قناعة راسخة لدى الجميع حتى من بين المستفيدين من هذه الغنيمة أنها كانت لا فقط دون المأمول بل سبباً في تحلل أركان الدولة وانهيار مقومات كيانها الاقتصادي والاجتماعي مع تشرذم سياسي بعثر أوراق بلد بل بلدان كانت تسابق وضعها تنموياً وتثابر حكومات ومجتمعات لمصارعة تحدياتها اليومية وربما كان لبعضها أن يحلم بأفق من الازدهار واللحاق بكوكبة الدول المتقدمة.
عشرية سوداء مرت على هذه الشعوب ومن بينها الشعب التونسي والسير إلى الوراء في مختلف المجالات تزداد وتيرته يوماً بعد يوم بلا تأسيس لآت لا يشبه الواقع المدلهم بالألم والبؤس والقدامة التي طحنت الطبقات الفقيرة وأنبتت أعشاباً طفيلية حولها إعلام قنوات التلفزة إلى نجوم في العربدة والاستخفاف بالعقل التونسي العريق الذي أنجب للكون عباقرة في مختلف المجالات كابن خلدون رائد علم الاجتماع وابن رشيق والطاهر الحداد والحصري وحنبعل وعبدالكريم النهشلي وابن منظور وغيرهم.
عشرية مرت والكفاءات التونسية حلق بعضهم وتشرد البعض الآخر في مختلف الأصقاع تاركين الحلبة لهوامير المال والسلطة والنفوذ والشعب ازداد فقره وتعمقت مأساته فتأخر التعليم إلى رتبة مفجعة 84 عالمياً حسب سلم دافوس وصار تدليس الشهادات لتمكين جيوش الطرف الذي يسيطر على عمل المواقع والوظائف على حساب الكفاءات وراجت تجارة الهجرة غير الشرعية والارتماء يومياً في عباب البحر بين الموت بأنياب الحيتان بعد الغرق أو الذل والمهانة تحت أرجل حرس الحدود البحرية.
سنوات سوداء وأكثر باعدت الأطياف السياسية المتعاقبة خارج دائرة القرار غصباً عنها لإبعاد تونس عن حضنها العربي وهشمت كل الإنجازات التي حققت الدبلوماسية الاقتصادية لبورقيبة فصار الإعلام نافذة للتفرقة ولمزيد إبعاد هذا البلد عن محيطه الجغرافي والعرقي لتتمكن منه مافيا الاستخبارات الأجنبية وتمكن فئة بلا فكر من بلد صنع عقل البشرية في عدة محطات تاريخية فصار السلاح كما لعب الأطفال زمن الأعياد والاقتصاد موجه لمصالح دول غربية دون غيرها وزد على ذلك ما ألحقته كورونا وسوء إدارتها في وقت من الأوقات من أوجاع جعلت من كل عائلة ضحية وضحايا.
سنوات سوداء خرج منها الشعب بحلم الخروج من قاع الزجاجة من خلال الخطوة التاريخية للرئيس قيس سعيد الذي حول اليأس إلى أمل للكثيرين وهي خطوة على سرعة إنجازها كانت ولا تزال متئدة إن لم نقل بطيئة في تحقيق مخرجاتها نتيجة ما ترسب من فساد داخل أجهزة الدولة وما تعمق من خور حول الإدارة إلى مكاتب فرعية لبعض المتنفذين من رجال الأعمال وبعض السفارات. سنوات ودودة التفاحة تنخر قرطاج ولكنها لم تستطع أن تمح هويتها رغم الفقر والتجويع والبطالة والألم وغلاء الأسعار والمضي في بلد بلا أفق لم تستطع أن تمح صورة التونسي سنوات كانت عزيزة على بعض الدول الغربية لدرجة أنها تجد صعوبة في السماح بالتفريط في لاعبيها في مقابلة تونس فتراها تحاول إسعافهم تارة عبر تسريبات على لسان بعض أعوانها وبعد أن تم تجميدهم دخلت مباشرة عن طريق إحدى فضائياتها المعروفة بخطها التحريري الأسود حيث احتفت على طريقتها بالسنوات السود في تقويم الليالي السود.