شكل الإعلان مؤخراً عن (مبادرة السعودية الخضراء) من قبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد مبادرة مثيرة وطموحة للغاية تؤكد بأن المملكة العربية السعودية تسعى دائماً إلى قيادة المنطقة في القضايا المهمة، ليشكل هذا الأخير خطوة جديدة برؤية استراتيجية واضحة لتعزيز ودفع الأهداف البيئية والوطنية والإقليمية والعالمية ذات التفكير التقدمي إلى الأمام.
ودعونا أولاً نحاول تلخيص النقاط الرئيسة لهذه المبادرة:
1. زراعة 10 مليارات شجرة في المملكة العربية السعودية و50 مليار شجرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
2. خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الشرق الأوسط بأكثر من 60%.
3. زيادة مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 50% من إنتاج الكهرباء في المملكة العربية السعودية بحلول عام 2030.
4. تحويل ما يصل إلى 94% من النفايات بعيداً عن المكبات.
5. زيادة نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30%.
6. التخلص من أكثر من 130 مليون طن من الانبعاثات الكربونية باستخدام تكنولوجيا الهيدروكربون النظيف.
وبشكل عام تعتبر هذه الأهداف غير مسبوقة في المنطقة، ولا سيما الأهداف المتعلقة بالطاقة المتجددة وانبعاثات الكربون. وحتى اليوم، تستحوذ الطاقة النظيفة على 7% من الطاقة المنتجة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كما أن 130 مليون طن من انبعاثات الكربون تعادل 4% من إجمالي إنتاج العالم السنوي من ثاني أكسيد الكربون.
لقد وضع سمو ولي العهد، والحكومة السعودية معايير جديدة لما يجب أن نسعى إليه جميعاً. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو من أين نبدأ؟ انطلاقاً من كوني أعمل في شركة صُنّفت على أنها الأكثر استدامة على مستوى العالم من قبل مؤشر شركة «كوربوريت نايتسCorporate Knights « السنوي لأكثر 100 شركة مستدامة في العالم. أود أن أشارك وجهة نظري حول ما يمكن وما ينبغي فعله فيما يتعلق بالحياة المستدامة.
إزالة الكربون من مبانينا:
لنبدأ بالأساسيات. تستحوذ المباني حالياً على ما يقرب من 40% من استهلاك الطاقة في العالم، وهذا الرقم آخذ في الارتفاع. وبالإضافة إلى استهلاك الطاقة، فإن المباني مسؤولة أيضاً عن ما يقرب من نصف الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وخاصة ثاني أكسيد الكربون. في هذه المرحلة، سيعزز الاستثمار في المباني لجعلها أكثر اخضراراً واستدامة من جودة وكفاءة قطاع الإنشاءات والمباني بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام.
وتتخذ المملكة العربية السعودية حالياً الخطوات الصحيحة عندما يتعلق الأمر بتعزيز الاستدامة وجعل المباني أكثر اخضراراً. وفي عام 2019، قدمت المملكة نظام تصنيف المباني الخضراء المسمى (مستدام Mostadam)، والذي تم تطويره بمساعدة من وزارة الإسكان السعودية، وشركة Alpin الاستشارية للتكنولوجيا النظيفة المستدامة. وسيتم تطبيق هذا المعيار على جميع المباني السكنية والمجتمعات والمباني التجارية. والأمر الآخر الذي نحتاج أيضاً إلى التفكير فيه هو كيفية تحويل وتغيير أنظمة المباني القديمة التي يتم استخدام الكثير منها حالياً وربما يستمر ذلك لعقود القادمة، إضافة إلى كيفية مساعدة الشركات في الحصول على التمويل اللازم الذي يمكنها من جعل مبانيها أكثر كفاءةً؟ وتُعد هاتان المسألتان بمثابة اعتبارات رئيسة لأكثر القطاعات كثافة للكربون في المنطقة.
الحاجة إلى النقل النظيف:
وتبرز أيضاً مسألة النقل والحاجة إلى التحول نحو الطاقة الكهربائية، فقد شهدنا العام الماضي تقدماً كبيراً تم إحرازه خاصةً مع الموافقة على اللوائح الجديدة للمركبات التجارية. ولكن ما نحتاج إلى الاستثمار فيه هو شبكة البنية التحتية الخاصة بمحطات شحن السيارات الكهربائية. وفي الحقيقة تسود حالة من التفاؤل في هذا الإطار، نظراً للاستثمارات التي قام بها صندوق الاستثمارات العامة السعودي في شركات السيارات الكهربائية مثل شركة (لوسِد Lucid موتورز) والتي شكل إعلانها خطط افتتاح مصنع لإنتاج السيارات الكهربائية في المملكة خطوة مهمة في مسار التحول نحو اعتماد المركبات الكهربائية. كما نحتاج أيضاً إلى تحفيز شرائها واستخدامها، فضلاً عن توفير الدعم المالي لتركيب أجهزة الشحن.
الحياة الذكية والاستدامة:
كما أن الطريقة التي نعيش بها جميعاً لها تأثيرها على البيئة، فالتقنيات الرقمية يمكن أن تساعد في تقليل بصمتنا الكربونية. ولنتحدث هنا عن البيوت الذكية، حيث يمكن أن تساهم حلول التحكم الآلي في المنازل الذكية بشكل كبير في الحد من استخدام الطاقة والمياه. وفي حين أننا جميعاً قد نستخدم المزيد من الأجهزة التي تعمل بالطاقة الكهربائية، يمكن لحلول المنزل الذكي المدعومة بتقنية الذكاء الاصطناعي تعلم أنماط حياة الأشخاص الذين يعيشون في المنزل والقيام بتشغيل أو إيقاف تشغيل الأجهزة بناءً على تفاعلاتنا وروتيننا اليومي. وباستخدام هواتفنا يمكننا معرفة مقدار استهلاك الطاقة والمياه وتكلفة الاستخدام. وبالنظر إلى الارتفاع المتزايد بالتكاليف، سيبحث أصحاب المنازل والمرافق والحكومات عن طرق أفضل وأكثر كفاءة لتقليل بصمتنا البيئية، وجعل حياتنا أكثر استدامةً.
قد تبدو هذه الأفكار بعيدة المنال، لكنها بالفعل في مراحل التصميم، ويظهر ذلك في مشاريع مثل مدينة (نيوم)، التي من المتوقع أن تصل تكلفتها إلى 500 مليار دولار، والتي تُعد حجر الزاوية في رؤية المملكة 2030 ووُصفت بأنها أكبر مشروع حضري في العالم اليوم، حيث ستعيد تصور مفاهيم العيش مع تركيز الكثير من الاهتمام على منازلنا. كما يأخذ مشروع «ذا لاين» رؤية الحياة المستدامة إلى أبعد من ذلك، وهي فكرة جريئة أخرى تطمح المملكة إلى تحقيقها.
** **
أسيد فقيه - نائب رئيس وحدة الأتمتة الصناعية في شنايدر إلكتريك بالمملكة