عبده الأسمري
في نظم المعرفة والدراية والحكمة يجب أن تكون الوسطية نقطة ارتكاز تقي السائرين على الدروب من الوقوع في تشدد الأطراف نحو السلوكيات «المشبوهة» أو تمدد الانصراف إلى الأفعال «الغريبة».. لذا يبقى المنتصف «مكاناً» آمنا بعيداً عن الاتجاه إلى التطرف الذي يصنع سوء التصرف.
كثرت «حالات» الضياع في دوائر «الغفلة» وانتشرت «ظواهر» الأتباع نحو مصائد «الخطورة» في ظل متاهات تصنعها وسائل التواصل الاجتماعي، ومنحدرات تولدها أبعاد الانفصال الأسري وسط «عالم» متشبع بالجريمة ومترع بالهزيمة.
تقارُب العالم في منظومة «اليكترونية» جعلت «البشر» في محيط واحد يتوجب أن يكون فيه «تفريق» و»تمييز» بين ما يوائم «طبائع» الشعوب ويوازي «أصول» المجتمعات، وما بين ما يأتي في عكس الاتجاه، لأن التباين في السلوك أمر حتمي تحكمه «العقيدة» وتوظفه «الشريعة» وتبينه «الضرورة» وتؤكده «الأنظمة».
ومثلما أن هنالك «حدوداً» دولية بين الدول تمنحها سيادة أرضها، فهنالك «خطوط» شرعية و»معانٍ» مجتمعية تفرق بين «الشعوب» في سلوكياتها وطريقة عيشها واتجاهات مستقبلها، لذا فإن الالتزام بالحدود الاجتماعية التي يفرضها دين الإنسان وتحتمها قيم المجتمع أمر يجعلنا وأجيالنا القادمة في مواقع «آمنة» من حروب نفسية وهجمات فكرية تتربص بنا الدوائر، وتحيك لنا المكائد وتجهز لنا المصائد.
عندما ضرب الاستعمار أراضي عربية وإسلامية في زمن مضى عرف البشر حينها أهداف المستعمر وخطط المحتل، وكان «العنوان» العريض المفهوم يكمن في تغيير «هوية» الناس في تلك الأماكن واحتلال عقولهم حتى يتسنى للمحتلين والمستعمرين البقاء في أراضيهم، وبعد أن خرجت تلك الفلول المحتلة من تلك البلدان لا تزال أجيالها تدفع «الثمن» في بقايا الدمار الذي خلفه الاحتلال في العقول قبل الأماكن.
لذا يجب أن يعرف كل مسلم «غيور» وعربي أصيل أن الاحتلال والاستعمار وفق منظومته «العتيقة» قد فشل وغادر مدحوراً بقوة «جمع» قليل و»عتاد» محدود من «جماعات» كانت تؤمن بأن اتحاد «العقول» قوة عظمى تزلزل أي كيان، وأن فهم وقراءة «المحتل» أولى خطوات هزيمته لذا نجحت، والآن باتت المواجهة مع أعداء كثر لا يرون بالعين وإنما يحتاجون إلى تحليل واستقراء لخططهم المدروسة والمنظمة من الغرف المظلمة، عن طريق توجيه الخطط إلى الشباب والأطفال والنساء في تخطيط مستمر لتدمير نسيج المجتمعات وزعزعة الاستقرار من عمق الأسر، وزلزلة الأمان في أفق المستقبل. هنالك موجات من الاحتلال النفسي عن طريق توجيه الموجهات الإيحائية إلى العقول وفق أغراض سيئة تديرها منظمات وجماعات وأحزاب تستهدف الشباب بالمخدرات وتبرمج الأطفال كدمى للغرق في وحل التقنية من خلال الألعاب القتالية والمقاطع المشبوهة والفيديوهات المشوهة للقيم، وتوجه سهام «التبدل» وأعيرة «التغير» إلى «المرأة» من خلال نسخ قيمها الأصلية واستبدالها بتغييرات مقلدة بائسة مسيئة لتبديل «غلاف» الحياء وتعديل «تفاصيل» الانتماء للدين والحشمة والتربية والأصول. أرسى الاستعمار التقني قواعده في محيطات «الأسر» حتى باتت الأجهزة الذكية والألواح الرقمية القرين الملازم لكل فرد في المجتمع، وسط وجود «مكامن» الخلل وتنامي «منابع» التغير في يد كل طفل وشاب وفتاة. في ظل عالم مكتظ بالإساءات الموجهة والتبدلات المبرمجة لتعديل الفكر وتبديل «الهدف»، حتى صار الجهاز هو الموجه والناصح والمصدق والمؤتمن في ظل «نزعات» نحو الاستطلاع ونزغات إلى الأتباع. لا يوجد درس أسرع لتعليم «النشء» وتفهيم « الشباب» بأعظم من «نماذج» الأمم السابقة و»أمثلة» الدول الماضية وما حل بها وكيف تغيرت لغة أقوام وتبدلت لهجة عشائر وتحولت مسالك مجتمعات، فكانت النتيجة استنساخ من «الأخطاء» وانسلاخ من «القيم»، لذا فإن الموجات خطيرة والهجمات مستطيرة والأعداء يترصدون والحاقدين يدبرون، وما على العقلاء إلا «البلاغ» المبين وعلى الحكماء «الفصل» المتين في عمليات «إنقاذ» للفكر وخطط «طوارئ» للسلوك، حتى نأمن من حروب سرية هجومية بحتة تدار باحتراف وتنفذ بتسلسل، حتى نستفيد من الماضي ونعزز الحاضر وننقذ المستقبل لحماية الغافلين ووقاية المجتمع من أعداء القيم وزبانية الباطل وسدنة الحقد.