د.شريف بن محمد الأتربي
ظهر فيروس كورونا المسمى (كوفيد19) قبل أكثر من عامين ليكون ظهوره علامة فارقة في التاريخ والتأريخ، فقد أصبحت جميع الكتابات والتسجيلات والأبحاث وحتى حديث الناس يشير إلى هذا الفيروس في حديثه للاستدلال على فترة زمنية، فيقال: قبل (كوفيد19) أو بعده.
ومن القطاعات المهمة التي تأثرت بظهور هذا الفيروس قطاع التعليم، فقد استطاع هذا الفيروس متناهي الصغر أن يجبر مئات الدول على منع أبنائهم من الذهاب إلى المدارس لتلقي العلم والمعرفة واكتساب المهارات اللازمة لتأهيلهم للحياة وسوق العمل، وأصبح على هؤلاء الأبناء البحث عن طرق أخرى للتعليم وخاصة في الدول الفقيرة التي لم تستطع توفير وسائل وتقنيات التعليم عن بعد لهؤلاء الطلبة.
وقد ظهرت العديد من الدراسات والتقارير التي أشارت إلى هذا التغير في مسار العملية التعليمية، وتم تشخيص أكثر من حالة امتناع تام عن التعليم، ويقابل ذلك حضور إيجابي للطلاب باستخدام التعليم عن بعد، ومن أهم هذه التقارير ما أصدرته اليونيسيف والبنك الدولي عن التعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي جاء فيه: في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث كان الطلاب معرضين لمخاطر نتائج التعلّم متدنية المستوى. قبل الجائحة بلغ عدد الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدرسة ممن تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عامًا حوالي 15 مليون طفل، وعانى حوالي ثلثي الأطفال في جميع أنحاء المنطقة من عدم المقدرة على القراءة بكفاءة. هذا بالإضافة إلى 10 ملايين طفل ممن كانوا عُرضة لخطر التسرُّب من المدرسة بسبب الفقر والتهميش الاجتماعي، أيضاً بسبب النزوح والاضطراب الناجم عن النزاعات المسلحة المستمرة.
يُظهر التحليل الوارد في التقرير ازدياد التفاوتات بين الأطفال والشباب، ومن ضمنها الفوارق الرقمية التي من شأنها أن تُلحق بالأطفال والشباب ضررًا طويل الأمد - لم يستفد حوالي 40% من الأطفال -حوالي 39 مليون طفل ويافع تقريبًا - من التعلّم عن بعد خلال الجائحة بسبب الفقر الرقمي في المقام الأول.
بينما تشير الدلائل العالمية إلى أنّ الخسائر في التعلّم الناشئة عن (كوفيد19) هي أعلى من المتوقع، لا يتوفر دليل منهجيّ لتأثير إغلاق المدارس على الطلاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى الآن. هذا بالإضافة إلى عدم توفّر القدرة الكافية لرصد وجمع الأدلة حول استمرارية التعلم من خلال التعليم عن بعد وغيرها من التدابير.
وأدى ظهور (كوفيد19)، والصراع مع التعليم إلى بروز العديد من المصطلحات التي كانت تردد في الوسط التعليمي على استحياء، حيث لم يكن أغلب الخبراء ولا ممتهني التعليم ينظرون إليها بجدية كونهم يقومون بتقديم العملية التعليمية كما تعودوا عليها، وكما نقلت إليهم من إسلافهم، سواء من خلال التعليم الجامعي أو من خلال الإشراف التربوي، فأصبحنا نسمع ونقرأ مصطلحات: التعليم عن بعد، والتعليم الهجين، والتعليم الإلكتروني، والفصول الافتراضية، تقنيات التعليم، ومن أهم هذه المصطلحات: مستحدثات تكنولوجيا التعليم.
يُعرف النجار (2009) مستحدثات تكنولوجيا التعليم بأنها مفهوم يشير إلى منظومة متكاملة تشمل كل ما هو جديد في تكنولوجيا التعليم من أجهزة تعليمية، برمجيات، بيئات تعليمية، وأساليب عمل؛ لرفع مستوى العملية التعليمية، وزيادة فعاليتها وكفاءتها على أسس علمية.
وتتصف هذه المستحدثات بكونها:
- تفاعلية، حيث تمكن المعلم من التفاعل معها وتقديم التغذية الراجعة له.
- فردية، توفر نمط التفرد في التعليم حسب احتياجات المتعلم نفسه.
- التنوع، حيث توفر العديد من بيئات التعلم المتنوعة للمتعلم في تقديم المحتوى التعليمي، سواء كان مسموعاً، أو مرئياً، أو عبر صفحات الإنترنت.
- الكونية، توفر للمتعلم فرص الحصول على المعلومات في آفاق لا حدود لها مكانياً أو زمنياً.
- التكاملية، حيث تتكامل الوسائط المستخدمة في العملية التعليمية وتتجانس لتحقيق أهداف التعلم.
لقد تأثر الميدان التربوي بفيروس كورونا تأثراً سلبياً، وعلى الجانب الآخر كان هناك جانب إيجابي لهذا الفيروس على التعليم، فإلى جانب اهتمام الحكومات بالتقنيات في التعليم، والعمل على سرعة التحول الرقمي فيه، فهناك أيضاً اهتمام بالتعليم الفردي Individualized Instruction))، والتعلم عن بعد Distance learning))، والتدريب عن بعد (Distance Training)، والشاشات التفاعلية Interactive Screen Touch))، التي حولت الفصول الدراسية أيضاً إلى فصول تفاعلية، سواء كان التعلم داخل الفصل أو خارجه. وهي شاشات ذكية بحجم 75 بوصة تقريباً تم تصميمها لتتفاعل مع المستخدم فتكون أداة إدخال وإخراج وعرض ومعالجة أيضاً، فوجودها في القاعة التعليمية يغني عن جهاز الحاسب وجهاز العرض، بل والشاشات التفاعلية.
وقد ساعدت هذه الشاشات المعلمين والمتعلمين على: دعم التعلم النشط خاصة في اختبارات (STEM)، وتطوير مهارات التفكير الناقد، وتعزيز الحماس والمشاركة، وتقديم التعليقات والمداخلات الفعالة، وتعزيز إدارة الفصول الدراسية، وتعزيز مفهوم الفصل التشاركي، ومراعاة الفروق الفردية وأنماط الشخصيات، وتحسين نتائج التعلم، وخفض كلفة التدريب والصيانة، وسهولة الاستخدام.
سيظل الصراع الجديد في التعليم ما بينه وبين (كوفيد19) مستمراً وممتداً حتى يأذن الله تعالى بالقضاء عليه كما أذن من قبل، وحتى ذلك الحين يجب أن يتعاون منتجو التقنيات بصورة حثيثة ومستمرة مع التربويين لسد الفجوة التعليمية الناتجة عن ظهور الفيروس، وأيضاً أية فجوات تعليمية أخرى قد تظهر نتيجة هذا الصراع.