إن للغة قيمة جوهرية كبرى في حياة الأمم والشعوب، واللغة العربية أداة التعارف بين ملايين البشر المنتشرين في آفاق الأرض، وهي ثابتة في أصولها وجذورها، متجددة بفضل ميزاتها وخصائصها، فللغة العربية شأن كبير وقيمة أعظم في حياة أي أمة من الأمم. استطاعت اللغة العربية أن تكون لغة حضارة إنسانية.
كانت اللغة العربية هي اللغة الحضارية الأولى في العالم. لقد أثبتت اللغة العربية قدرتها على التلقي والتفاعل والتطور، فانبثق عن أصالتها فعل حركي متجه نحو المستقبل المتجدد والمتطور. حافظت اللغة العربية على وجودها وعمت أقطاراً شاسعة في الشرق والغرب، وهكذا أصبحت اللغة العربية لغة عالمية بعد الاتصال الذي حدث بعد انتشار الإسلام في الآفاق.
اللغة العربية إحدى أهم اللغات في العالم، وقد شرفها الله تعالى بأن جعلها لغة القرآن الكريم معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم للبشرية كافة، فقد نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين. لقد كان أبرز ما تفتخر به اللغة العربية أنها لسان الوحي الرباني، وأنها كانت المظهر اللغوي للمعجزة الربانية الخالدة المتجلية في القرآن الكريم.
انتشرت العربية بقوة الإسلام وقوة القرآن الكريم واستطاعت أن تكون لغة عالمية لأول مرة في التاريخ الإنساني. أبدعت حضارة راقية وأشعلت الأنوار التي بدت ظلمات العصور الوسطى في العالم، انبثق فجر النهضة في أوروبا التي قامت بها على أساس من التراث العربي الإسلامي باللغة العربية بطريقة مباشرة نقلاً عن المؤلفات العربية.
استوعبت اللغة العربية ثقافات وحضارات عريقة على مدى التاريخ، وحملت دوماً كنوزاً في كل أنواع المعارف والعلوم والثقافات. لقد حملت رسالة الإسلام فغنيت بألفاظ كثيرة جديدة للتعبير عما جاء به الإسلام من مفاهيم وأفكار ونظم وقواعد، حيث أصبحت لغة الدين والثقافة والحضارة.
لقد احتضنت الأمم الأخرى اللغة العربية وثقافتها وأولتها من العناية والحفاوة أكثر مما أولت لغتها أحياناً، فصارت لغة العلوم والآداب للعرب وغير العرب حقباً طويلة من بين أقصى المغرب وأقصى المشرق، ولا تزال على تبدل الأحوال، لغة أدب وعلم في كثير من الأمم الإسلامية غير العربية.
واليوم اللغة العربية هي أداة الاتصال ونقطة الالتقاء بين العرب وشعوب كثيرة في هذه الأرض أخذت عن العرب جزءاً كبيراً من ثقافتهم واشتركت معهم في الكثير من مفاهيمهم وأفكارهم ومثلهم وجعلت الكتاب العربي المبين ركناً أساسياً من ثقافتها وعنصراً جوهرياً في تربيتها الفكرية والخلقية.
ومن نافلة القول إن اللغة تلعب دورًا حيويًا في حياة الناس، إن هناك رقعة من الأرض تتحدث بلسان واحد وتصوغ أفكارها وقوانينها وعواطفها في لغة واحدة. وهكذا مكنت اللغة العربية أن تكون قادرة على مواكبة الحضارة الإنسانية، تأخذ من غيرها ما يلزمها وتعطي لغيرها ما يلزمه، وهي اللغة الوحيدة التي قدر لها أن تحافظ على وجودها وأن تصبح لغة عالمية تتساير مع مواكب الحضارة الإنسانية.
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية، كولكاتا - الهند
merajjnu@gmail.com