م. بدر بن ناصر الحمدان
من المعروف أن إدارة المدن هي عملية «ديناميكيّة»، تعتمد وبشكل رئيس على تحليل الوضع الراهن والتنبؤ بالمستقبل في إطار عملية مستمرة من المراجعة والتحديث والتطوير، والقدرة على بناء واتخاذ القرارات العمرانية وفق قراءة تتسم بما يمكن تسميته بـ «الذكاء العمراني». الذكاء الذي نتحدث عنه هنا ليس حزمة من التقنيات أو معالجة البيانات، بل «عقلية الإدارة» التي تتحكم بتوجيه نمو المدينة وفلسفة إدارتها وتشغيلها عمرانياً، بما يحقق رغبات السكان ويلبي احتياجاتهم، وينسجم مع تطلعاتهم في بناء محيطهم وتحسين علاقتهم معه.
من الأمور التي يجب إعادة تعريفها بشكل أدق، هي فهمنا للحقل العمراني، إذ إنه لا يرتبط بالتعامل مع الجوانب المكانية فقط، بل هو القاعدة التي تُبنى عليها كل تفاصيل حياة الناس، وتتشكل فيها سيكولوجية عيشهم من خلال «الممكنات» المادية وغير المادية التي سوف توفرها أدوات العمران كمنتج نهائي لتطوير البيئة العمرانية، وهنا تبرز أهمية الشخص المسؤول عن قيادة هذا المسار.
اختيار مدير للمدينة هي عملية معقدة للغاية، وتتطلب معايير خاصة، تختلف كثيراً عن تلك التي تنتهجها قطاعات وأجهزة أخرى، إذ إن فلسفة إدارة المدن تتطلب أشخاصاً لديهم قدرات نوعية تراكمية على مستوى التخصص والمعرفة والإدارة والقيادة تُفضي إلى العثور على شخصية ذات «كاريزما عمرانية» مؤهلة لممارسة الذكاء العمراني وإحداث التغيير والفارق الذي ينتظره سكان المدينة.
أول خطوة في رحلة النهوض بمدينة ما هي العثور على ذلك الشخص الجريء و»الذكي عمرانياً» لتولي قيادتها، فمهما كان مستوى الممكنات البشرية والمادية والتنظيمية ستصبح أدوات كامنة، إذا لم يتم استثمارها بالأسلوب الأمثل، وتوظيفها لصالح تقديم مُدن مختلفة ومُبتكرة ومُبدعة، هناك فرق شاسع بين من يقوم بـ «تسيير» أعمال المدينة، وبين من يقوم بـ«تطويرها».