د.عبدالعزيز الجار الله
لحظة الحزن لا موعد ولا زمن لها، في حالات كثيرة تغمرك حتى لا تقوى على الكلام، رحيل الصديق والأخ الأكبر علي الهويريني -رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته- أعاد لي سحابة حزن ثقيلة، ومسحة الألم التي تعتصرنا ساعات وأياماً طوالاً، ففي السنوات الأخيرة ودعنا بعضاً من الأهل والأعزاء والأصدقاء بسب المرض العضال، أو فيروس كورونا، أو موت خاطف، ورحيل علي الهويريني جاء -ولا راد لأمر الله - وأنا كنت أنتظر التفرّغ من الوظيفة حتى نرتب اللقاءات المتواصلة مع صديقنا المشترك صالح بن محمد البطاح، لكن موعد الموت كان أسرع من أن ألتقي بالرجل الطيب، بكيته بدموع هي نفس الدموع التي نذرفها عند اللقاء الشخصي أو عبر الاتصال الهاتفي، لأن الهويريني نهر من الحنان والوفاء والمشاعر التي لا حدود لها، فالحياة قصيرة والأهل والأقارب والأصدقاء تساقطوا كما تتساقط أهداب الأثل بغزارة على حبات الرمل.
علي الهويريني كانت تربطنا به صداقة عائلية بأشقائي ممن يكبروني بالسن، وكان قد شهد ولادتي في الستينات الميلادية، الثمانينات الهجرية، وكانوا مجموعة من الأصدقاء في أحياء حلة القصمان شرقي وادي البطحاء (وادي الوتر) بالرياض أحد روافد وادي حنيفة حين كان الوادي مكشوفاً قبل أن يتحول إلى مجرى باطني أسفل شارع البطحاء الذي يتقاطع مع شارع الخزان، كان الهويريني وأشقائي في الستينات لهم شغف في القراءة والثقافة ومتابعة الأحداث السياسية والثقافية وتطورات الوطن العربي الذي لتوه خارج من الاستعمار الأوروبي، والحرب العالمية الثانية أيضاً للتو طفأت نارها وخمد دخانها، وكان علي الهويريني أكثر المجموعة قراءة للكتب السياسية والفكرية والفلسفية والتاريخية والثقافية، وكنت أنا وبعض الأقارب رغم صغر السن نقرأ كتبهم من بعدهم بما فيها الكتب المسرَّبة والمهرَّبة بمقاييس ذلك الزمن، لذا لم استغرب عندما اتجه أديبنا علي الهويريني في سنواته العشر الأخيرة إلى تسجيل أعمال فيديو ومحاضرات في مجال الفكر والفلسفة والثقافة، لأنه نهم وشغوف بالقراءة والاطلاع منذ وقت مبكر من عمره.
هنا أتوجه إلى الجهات الرسمية في الثقافة والإعلام بالدعوة لتكريم علي الهويريني الذي ساهم في تقديم أعمال فيديو تلفزيونية وندوات تبرز جانباً من وعي المثقف السعودي، والذي نفذها على مدى سنوات طويلة بجهده الخاص بدون مقابل، وصرف عليها من راتب تقاعده دون مساعدة.