د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
أثبت الاقتصاد السعودي قوته عندما تجاوز أزمة كورونا المستجد التي ألقت بظلالها على كل الدول المتقدمة وغير المتقدمة، بل إن الاقتصاد السعودي انتهى من المرحلة الأولى ودخل المرحلة الثانية من تنفيذ رؤية المملكة 2030، وستشهد المرحلة المقبلة قفزات كبيرة في عجلة الإنجاز في كل القطاعات، وبناء قاعدة متينة متنوعة المصادر لمواجهة المتغيرات العالمية، وهي التي مكنته من الصمود في وجه التحديات الإقليمية والعالمية، والحرب في اليمن، وفي الداخل مواجهة تحديات أزمة كورنا، لكن خرج الاقتصاد السعودي أقوى مستعدًا للمرحلة الثانية.
وهو ما جعل العالم ينظر إلى السعودية نظرة إعجاب لهذه القيادة التي استطاعت التغلب على كل التحديات والعراقيل التي وضعتها الدول الإقليمية وعلى رأسها إيران وتركيا لتحقيق نفوذ على حساب السعودية كقائد إسلامي وعربي وتحجيم دوره السياسي والاقتصادي.
لكن ما حدث العكس تمامًا، إذ صمد الاقتصاد السعودي، وتمكن من تحقيق قفزة نوعية في قضايا مهمة جدًا، من أهمها تحرير الاقتصاد من تبعية أسعار النفط، رغم أن ارتفاع أسعار النفط التي نتجت عن جهود كبيرة بذلت من أجل تماسك أسعار النفط عبر قيادة تحالفات أوبك بلس دعمت مخرجات الرؤية، وحققت فوائض في ميزانية عام 2022 لأول مرة منذ سبعة أعوام، بجانب أنها حققت مستهدف تنمية الإيرادات غير النفطية المرتبط بمستهدف تنويع الموارد بما يتناسب مع إمكانيات السعودية الضخمة كما هو مخطط لها في برامج الرؤية، بجانب استمرار نهج ضبط الإنفاق لصالح التركيز على دعم المشاريع الرأسمالية والحيوية التي تعزز من إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي بما يتماشى مع الاقتصاد الحر الذي يرتكز على تعظيم الفوائد بعيدًا عن الاقتصاد الريعي محدود الفوائد غير القادر على تحقيق عوائد ضخمة للناتج المحلي لتوفير فرص عمل للشباب.
وقد حققت المرحلة الأولى من الرؤية إنجازات فاقت مستهدفات المرحلة الأولى، جعلت الدول العظمى تبحث عن موطئ قدم لها في المرحلة المقبلة التي ستشهد قفزات كبيرة جدًا في كل القطاعات الاقتصادية وغير الاقتصادية، من أجل خلق اقتصاد متين متنوع يواجه المتغيرات العالمية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يقود مشاريع ذات الرؤية المستقبلية التي تدعم أنظمة الاستدامة والازدهار والابتكار وقيادة الأعمال بما يتوافق مع الثورة الصناعية الرابعة، مما يتطلب ضخ استثمارات تفوق 12 تريليون ريال وثلاثة تريليونات أخرى من صندوق الاستثمارات العامة بإجمالي تدفقات استثمارية تصل إلى 27 تريليون ريال حتى 2030 وفق خطته الإستراتيجية لدعم الاقتصاد الوطني التي وضعتها الإستراتيجية الوطنية للاستثمار التي أطلقت في 11 أكتوبر 2021، بحيث يشكل صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني المحركان لنشر رأس المال والتنمية الاقتصادية.
من أجل أن تكون الأعوام الخمسة المقبلة تحقق انطلاقة أخرى جديدة حافلة بمشاريع كبرى إستراتيجية في مجالات حيوية وأيضًا في المناطق كافة، تنقل الاقتصاد السعودي من المحلية إلى العالمية، وتنقل المجتمع بكل مكوناته إلى عصر جديد من الازدهار والتنمية وتنويع الأنشطة الاقتصادية القادرة على توفير فرص عمل جديدة.
توجهات الصندوق الاستثمارية تأتي لإيجاد مصادر مستدامة للدخل في المستقبل، وقد اختار الصندوق 13 قطاعًا ذات الأولوية للاستثمار بها تمتلك جاذبية وقدرتها على التحفيز وامتلاك الميزة التنافسية القادرة على البقاء في السوق على مستوى المنطقة والعالم وأثرها على الاقتصاد السعودي، وهذه القطاعات واعدة تسهم في تمكين القطاع الخاص كمستثمر وشريك في استثمارات الصندوق، وكمورد للشركات التابعة له، خصوصًا أن استراتيجية الصندوق تدوير رأس المال التي تتمثل في بيع حصص في الشركات المملوكة له للقطاع الخاص، مثل شركة سيف للحراسات الأمنية، وشركة كروز للصناعات العسكرية، ومشروع سدير للطاقة الشمسية تنفذه شركة أكواباور، وشركة بديل المملوكة بالكامل للصندوق.
وإعادة استثمار المتحصلات في قطاعات إستراتيجية جديدة ذات أثر في التحفيز الاقتصادي وبيعها لاحقًا كاستثمارات ناضجة من أجل أن يلعب الصندوق دورًا رئيسيًا في تطوير وزيادة عمق السوق المالية، وتمكين زيادة مشاركة القطاع الخاص غير المعتمد على دعم الدولة كما كان في السابق، وهو بمثابة إعادة هيكلة القطاع الخاص وفق الرؤية الجديدة ليسهم في تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط، ويعمل على الاستثمار في المشاريع المجدية اقتصاديًا بما يسهم في تحقيق مصادر مستدامة للدخل في المستقبل.
وقد استطاع الصندوق مضاعفة حجم أصوله لأكثر من 1.8 تريليون ريال، وساهم في إطلاق 10 قطاعات جديدة، نتج عنها استحداث أكثر من 400 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة منذ 2017 وحتى نهاية الربع الثاني من 2021، ويستهدف الصندوق خلال الخمس السنوات القادمة التركيز على 13 قطاعًا حيويًا وإستراتيجيًا محليًا هي الطيران والدفاع، والخدمات المالية، الرعاية الصحية، الأغذية والزراعة، السلع الاستهلاكية والتجزئة، القطاع العقاري، الترفيه والسياحة والرياضة، النقل والخدمات اللوجستية، الاتصالات والإعلام والتقنية، المرافق الخدمية والطاقة المتجددة، المعادن والتعدين، المركبات ومواد وخدمات البناء والتشييد.