عمر إبراهيم الرشيد
عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بحلق رؤوسهم والتحلل من الإحرام للعودة إلى المدينة دون الدخول إلى مكة للعمرة، وذلك بعد أن منعهم مشركو مكة من ذلك، لم يتحرك أحد من الصحابة برغم أن من أمرهم هو الرسول بجلالة قدره. وحين عز ذلك عليه قالت له زوجته التي كانت ترافقه (احلق أنت وسيتبعك الناس) وهذا ما حدث، قام الصحابة يحلقون رؤوسهم ويتحللون حين رؤوا النبي يفعل ذلك. لابد لكل مجتمع انساني من أمثلة يقتدى بها لأن تأثير (الكاريزما) أكبر من تأثير الخطب والمواعظ أو المحاضرات والكتب، هذا للغالبية العظمى من الناس، وإلا هناك من البشر من يعلم نفسه بنفسه، لسمو في التفكير وعمق في الشعور.
أما اسقاط ذلك على وقتنا الحالي وحين أصبح لكل فرد في الغالب جهازه المحمول ونافذته على العالم، فليست الخطورة في المحتوى السلبي ومدى تاثيره في الجيل الحالي والمقبل من الصغار، بل في تصدر طلاب مال وشهرة من الجنسين المشهد الاجتماعي وبأي طريقة كانت، وبعضهم أتته الشهرة بين عشية وضحاها ولم يسع اليها، بسبب الثقافة السائدة وتوفر وسائل التواصل بلمسة على الشاشة. اذا فالعملية دائرية وان قلنا شخصيات جوفاء تصدرت فلأن بعضها وجد التشجيع والتطبيل حتى من بعض الكبار بل ومن بعض الشركات والمؤسسات بكل أسف، حتى تعقدت المسألة وتاهت البوصلة. وما مشهد تصدر فتاة تافهة لا تستحق ذكر اسمها مجلس رجال يفترض فيهم الرزانة وتقديم نماذج نيرة للمجتمع، إلا تجسيد لهذا المعنى ولمثل الغراب الذي أضاع مشيته!
بالطبع لا يعني حديثي هذا انعدام القدوات النيرة والناجحة، فهناك فرق بين التراجع والانعدام، ولو خليت خربت كما يقول المثل، هناك قدوات ناجحة يفتخر بها المجتمع والوطن، بعضهم أطباء ذاعت شهرتهم في الدول التي ابتعثوا اليها وأصبحوا أساتذة يدرسون في المستشفيات والجامعات. كتبت من قبل عن الدكتور نايف الروضان جراح المخ والأعصاب الشهير. وعن الدكتور صفوق الشمري أخصائي الخلايا الجذعية الذي ترأس مستشفى في العاصمة اليابانية طوكيو، وهناك غادة المطيري الباحثة في الكيمياء الطبية والمتعاونة مع أشهر مراكز الأبحاث في هارفرد وغيرها، هناك مشاعل الشميمري المهندسة في مجال الطائرات والصواريخ وأول سعودية تنضم إلى وكالة الفضاء الأمريكية ناسا. ولدينا بارزون في المجال الفكري والثقافي والإداري والرياضي، فكل مجال منتج وحضاري متاح للتميز والريادة والإبداع، لكني قصدت أن أصوات هؤلاء المتميزين أصبحت لا تسمع وسط هذا الضجيج الذي يصم الآذان، وسط هذا الصراخ والنعيق الذي يملأ سماءنا، وعادة ما يجنح أصحاب المواقف الضعيفة إلى الصراخ، أما الواثقون من أنفسهم فهم يميلون إلى الهدوء ولا يشعرون بالراحة أصلاً في الأجواء الملوثة صخباً وضجيجاً وفوضى فكرية وحسية. هل قصرت وسائل الإعلام التقليدية والرقمية في إبراز مثل هذه القدوات والنماذج المشرفة، للأمانة لم تقصر وبذلت أدوارها في ابرازهم وتعريف المجتمع بسيرهم وكفاحهم. لكن لي اقتراح أقدمه إلى وزارة الرياضة لاستغلال الملاعب الرياضية وهي من أفضل الوسائل للتأثير في الجماهير والشباب وتقديم هذه النماذج كما يتم عبر منصات التواصل مثلا، بلمحات ومشاهد موجزة لكن مؤثرة ووافية للشخصية المعنية، وذلك على شاشات الملاعب وقبل انطلاق المباريات وبين شوطيها. ويمكن التعاون في ذلك بينها وبين وزارة الثقافة كما تم بشأن كتابة أسماء اللاعبين بالخط العربي وهي خطوة حضارية تشكر الوزارتان عليها، إلى اللقاء.