آلاء علي محمد الغامدي
يقوم جوهر المعرفة في الفلسفة البراجماتية على مقولة «من الخطأ أن نعزل الأمور الخارجة عن الخبرة، أو نجعلها موضوعات للمعرفة، وأن الطريق الصحيح لمعرفتها هو دراستها في حالة وجودها داخل الخبرة، مثل أن يصاب مريض بالزكام فيُنظر إلى العوامل والصفات المتعددة المختلفة التي أدت إلى ذلك»؛ ومضمون هذه المقولة يبرز أحد المرتكزات والرؤى التي تقوم عليها المعرفة في الفلسفة البراجماتية، حيث تؤمن البراجماتية بأن طبيعة المعرفة (عملية)؛ حيث تتوقف على صحة التصورات والمدركات وتأثيرها على السلوك الإنساني، فهي ترى أن المعرفة الجزئية ممكنة، وأن أجزاء الواقع مستقلة عن بعضها البعض وعن العقل المدرك، فهي تنظر إلى الأشياء والوقائع بدلاً من النظر إلى المقولات والمبادئ العقلية، وأما «العمل» فهو مبدأً مطلقاً للمعرفة؛ لأن أي عمل لا يقوم إلا من خلال التجربة والتي هي أساس المعرفة لديهم.
فهي تستقي معارفها من الخبرة والنشاط البشري، والخبرات الناجمة منها، حيث يتوقف قبول الأفكار على المنفعة المترتبة عليها، فالتجربة تعتبر هي المعرفة، مع التأكيد على النتائج العملية لأي فكرة أو تجربة وجوهر ذلك أنها فلسفة تجريبية تعتمد على الحس في تحصيل المعارف، فتعمل على الربط بين الأفكار والنتائج المترتبة عليها، وبقدر ما تحقق نتيجة الفكرة من نفع، بقدر ما تكون الفكرة صحيحة لديهم.
كما جعلت الحاضر والمستقبل محل إيمانها، مقابل أن الماضي لا تلقي له بالاً، والغيب ليس له محلاً للتفكير، ويبقى ميدانها العالم المحسوس ونتائج الخبرة البشرية، فهي بالمحصلة فلسفة ملحدة تنكر وجود الدين إلا إن كان يخدم مصلحتها.
وقد قسم البراجماتيون المعرفة إلى فكرة صادقة وهي التي تتمكَّن من التأثير في السلوك وتغييره وتعطيه معنى نافع، والفكرة الكاذبة وهي التي لا تستطيع التأثير في السلوك العملي ولا تأثر في السلوك ولا تغيّره وتعطيه معنى نافع.
ومجمل القول إن المعرفة في الفلسفة البراجماتية تسير مع المنهج التجريبي وتتطور مما يجعلها متجدّدة ومتناسبة مع التطور العلمي، فالمعرفة الإنسانية لديهم محددة ونسبية وقابلة للتغيير بحسب تغير ظروف الإنسان، وفي ضوء ذلك تنكر الدين وتستبعده؛ ومعيار قبولها له هو النفع، وعلى ذلك فهي ذات نزعة فردية، كما أن الحقيقة المطلقة غائية في الفكر البراجماتي تبعاً لمنهجها في التعامل مع المعارف، بل تعتبر علامة من علامات الضعف الإنساني الذي يجب أن يتخلص منه، والخبرة ليست ثابتة، بل أداة قابلة للمراجعة وافتراض فروض جديدة.
وبغض النظر عن القضايا المخالفة للشرع؛ إلا أن تطبيق ما سبق ذكره في واقع المملكة العربية السعودية لا حرج فيه، لأنه يمكننا الاستفادة من المعرفة البراجماتية بما يتوافق مع فلسفتنا وأنظمتنا وأهدافنا ومرجعياتنا، في ظل ما تشهده المملكة العربية السعودية من تطور سريع في مجالات التعليم والاقتصاد المعرفي الذي بلورته رؤية 2030 والتي ترحب بالاستفادة من خبرات الغير بما ما يتناسب مع المرجعية الإسلامية فكراً وسلوكاً، ويمكن تفعيل ذلك من خلال تفعيل البحوث التجريبية ورصد التمويل لها وزيادة مخصصاتها، والرفع من شأن الخبرة في المجالات كافة دون مخالفة الشرعية الدينية.