«الجزيرة» - عوض مانع القحطاني:
ارتبطت الكعبة المشرفة من عهد سيدنا إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- بالوجدان والتبجيل حتى يومنا؛ كونها قبلة المسلمين وأطهر بقاع الأرض.. وكما أن لكل بيت عناصر ومكونات تزيّنه، وبيت الله أهم وأقدس البيوت قاطبة في الدنيا كلها، ومفرداته لها قيمتها الدينية والتاريخية، وهي أجزاء من بيت الله، وفي حرم الله الآمن».. ولهذا لم تكن صناعة الكسوة المشرفة والإشراف على تغييرها سنوياً؛ عملا هيّنا؛ على الإطلاق؛ فهناك جهود جبارة تبذل طوال العام لكي تظهر الكسوة بهذا الرونق والجلال.
فمنذ أن تشرفت المملكة منذ عهد المغفور له الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- بصناعة كسوة الكعبة المشرفة الذي أمر بإنشاء أول دار لكسوة الكعبة المشرفة بجوار المسجد الحرام في (أجياد) عام 1346هـ؛ وجميع ملوك المملكة -رحمهم الله- يولون صناعة كسوة الكعبة المشرفة جلّ اهتمامهم.
وفي عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز شهد مشروع صناعة الكسوة نقلة نوعية في تطوير العمل وإنجازه بشكل نوعي، حيث أمر الملك سلمان بإطلاق اسم مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة عام 2017م.
ومن هنا انطلقت مسيرة الجودة والإتقان لكل تفاصيل الإبداع في كل ما يتعلق بكسوة الكعبة المشرفة؛ حياكة وصناعة وآلة وكوادر؛ للثوب الأغلى حيث بذلت القيادة الرشيدة جهودا عظيمة في إخراجه بأفضل وأجمل حُلّة كونها كسوة لأطهر مكان على وجه الأرض.. وتبنت رئاسة الحرمين الشريفين كونها الجهة المسئولة عن مشروع تطوير مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة بقيادة الرئيس العام للمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس الذي أكد على الدوام أهمية ما تلقاه كسوة الكعبة المشرفة من العناية والاهتمام البالغَين على مدار العام من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين - امتدادًا لاهتمام حكومة السعودية منذ تأسيسها على يد المغفور له - الملك عبد العزيز - بالحرمين الشريفين وقاصديهما، وبالكعبة المشرفة خاصة فيما يتعلق بتطوير أنظمة صناعة كسوة الكعبة المشرفة وتقنياتها الحديثة الذي تديره أيدٍ سعودية مدربة، تتشرف بالحياكة والإعداد والصباغة والنسيج والتصميم والطباعة والتطريز والاختبار والتجميع حتى التسليم والتركيب.
وقال معالي الشيخ عبد الرحمن السديس إننا نعمل على توظيف الذكاء الاصطناعي، وإدخال أحدث الأدوات التقنية في صناعة كسوة الكعبة المشرفة.. وقد قطعت وكالة الرئاسة لمجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة شوطاً كبيرا في عمليات التطوير، وتحديث ماكينات الخياطة والتطريز بمجمع الكسوة، بما يتوافق مع رؤية المملكة (2030). وأشاد الشيخ السديس بجهود منسوبي الوكالة، لتبنيها المبادرات والمشاريع التطويرية التي تعزز من مكانة الحرمين الشريفين وتحقق تطلعات القيادة الرشيدة.
وبيَّن المستشار ووكيل الرئيس العام لمجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة عبد الحميد المالكي في تصريح لـ «الجزيرة» أن توجيهات الرئيس العام لنقل مشروع تطوير مصنع الكسوة المشرفة لمصاف إبداعي عالمي.. ومواكبة للنقلة النوعية في رئاسة الحرمين وفق الرؤية 2030؛ حيث أطلق الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الدكتور عبد الرحمن السديس، مؤخرا عددا من المبادرات التطويرية والتنظيمية لوكالة الرئاسة لشؤون مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة والتي تضمنت عدة مبادرات، منها مبادرة (التحول التقني لمجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة) والتي تشمل عددا من المشروعات التطويرية لأنظمة الوكالة الأمنية وخطوط الإنتاج والطباعة الإلكترونية ومبادرة (تحويل المجمع لمعلم حضاري)، وتشمل إعادة تصميم بعض المواقع التي تحقق الجذب السياحي لتصبح أيقونة حضارية لمدينة مكة؛ إلى جانب مبادرة (تطوير مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة)، وتشتمل هذه المبادرة على تطوير مباني الإدارة وتحويل الوحدة الصحية إلى مجمع طبي يخدم منسوبي الرئاسة.
كما تشتمل على تطوير مختبر المجمع ليكون مرجعية في تقديم اختبارات جودة النسيج، فضلاً عن مبادرة (تحسين المذهبات) التي تهدف إلى وضع الدليل الإجرائي لأساس ومبادئ لتطريز مذهبات ثوب الكعبة المشرفة، ومبادرة (تعظيم) التي تهدف إلى إبراز جهود الصيانة بالمجمع وجهود الدولة - وطرح مشروع جائزة الخط العربي ومعرض الخط العربي.
أما مبادرة (إجلالاً ومعرفة) فهي تستهدف استقبال الوفود بالمجمع والمشاركة في المعارض المحلية والإقليمية والتعريف بصناعة كسوة الكعبة. ومبادرة (صحة منسوبينا) وتهدف إلى نشر الوعي بين منسوبي الرئاسة للحفاظ على الصحة الآمنة وعمل مجموعة من الندوات والدورات الخاصة بالإسعافات الأولية، وتوفير مركبة طبية متكاملة داخل المجمع، وأخيرا مبادرة (تطوير الموارد البشرية بالمجمع) والتي تسعى من خلالها إلى تمكين المرأة في العمل وتحديث اللائحة وتعديل السلم الوظيفي والتدريب والإثراء وإنشاء أكاديمية للخط العربي واستقطاب الكفاءات والاستفادة من ذوي الخبرة.
وأضاف المالكي في تصريحه لـ(الجزيرة) أن القيادة الرشيدة لا تألو جهداً في العناية بكسوة الكعبة المشرفة، حيث وفرت كل الإمكانيات التقنية لخدمة بيت الله الحرام، مؤكدا أن المبادرات التي دشنها الرئيس العام ستكون -بإذن الله- نقلة تحول في تطوير مصنع كسوة الكعبة المشرفة.
ويتم استبدال كسوة الكعبة في ليلة عرفة، جرياً على العادة السنوية، بـ «الثوب الأغلى» الذي يصنع من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود، ويزدان بآيات قرآنية وزخارف إسلامية مطرّزة تطريزاً بارزاً بالذهب.. ويبلغ ارتفاع الثوب 14 متراً، وبالثلث الأعلى منه يوجد حزام عرضه 95 سنتيمتراً، وطوله 47 متراً، ومكون من 16 قطعة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية.
وتتكون الكسوة من أربع قطع، تغطي كل قطعة وجهاً من أوجه الكعبة المشرفة، والقطعة الخامسة هي الستارة التي توضع على باب الكعبة وتمر صناعتها بمراحل عدة؛ إذ يجمع قماش «الجاكارد» لتشكيل جوانب الكسوة الأربعة، ثم تثبت عليه قطع الحزام والستارة تمهيداً لتركيبها فوق الكعبة المشرفة.
ويبلغ عدد قطع حزام كسوة الكعبة المشرفة 16 قطعة، و6 قطع و12 قنديلاً أسفل الحزام و4 صمديات توضع في أركان الكعبة، و5 قناديل «الله أكبر» أعلى الحجر الأسود، إضافة إلى الستارة الخارجية لباب الكعبة المشرفة.