د.حسين بن عبدالرحمن العنقري
من المشاهدات العجيبة في الجلسات القضائية أن ترى الخصوم يتحدثون في غير الدعوى أو يتطرقون لما لا يؤثر فيها -غالباً- فإذا جاء الحديث المؤثر والكلام الموصل وتقديم الحجج والبراهين رأيت اختصاراً مخلاً وحديثاً مجتزأ, لا يوصل إلى حق أو لا يدفع باطلاً, في خلل واضح للتعامل مع هذا المكان المهيب والتعاطي معه بما يستحق من الجهد والتركيز, والأعجب من ذلك أن يتجاوز القاضي صلاحياته ويخالف الأنظمة والأسس القضائية والشرع المطهر, عندما يدفعه حماسه أو ظنه أن أحد الخصمين له الحق, ولكن لم يصل إلى هذا مما قدم الخصم وإنما شعور جاءه من داخل نفسه, فبدأ يجتهد في تلقين الخصم الحجة ثم البحث له عن مخرج, قال صلى الله عليه وسلم (إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّار). رواه البخاري الرقم (7169).
وهذا قاطع في هذه المسألة وأن البشر لا يعلمون ما غُيِّب عنهم, ولا يمنع من التحري والتقصي من القاضي قال الماوردي في أدب القاضي (2/251) (وأن يكون كلام الخصم مقصوراً على الدعوى والجواب, وكلام القاضي مقصوراً على المسألة والحكم). فكان الالتزام بالحدود المسموحة سلامة لعملية التقاضي من الخلل والجور والتأخير والإطالة.