الظهران - سلمان الشثري:
أظهرت جلسة حوارية في الملتقى الإثرائي الثاني، الذي يقيمه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، ضرورة اتخاذ مفهوم الحداثة بما يتناسب مع متطلبات العصر دون اللجوء إلى التقليد والانتقال إلى مرحلة ما وراء الحداثة، في الوقت الذي أجاز أدباء ومثقفون مشاركون أسلوب التقليد بين الثقافات العربية المتعددة، بوصف الأدباء والكتّاب من أبناء ثقافة واحدة، محذّرين ما يسمى بـ «القطيعة الثقافية» لكون الثقافة ليست مسألة وطنية.
وكشف المشاركون في الملتقى الذي انطلق مؤخرًا ضمن برنامج إثراء القراءة «اقرأ»، أن الحداثة والحضارة والثقافة سمات مجتمعية، وأوضح الناقد والمؤرخ الثقافي السعودي حسين بافقيه أن الحداثة ليست أسلوب تقليد وهي لا تقتصر على الجانب الغربي كما يعتقد البعض، فتأصيل فكرة الحداثة ليست ذات أهمية بقدر ما هو مطلوب من فهم للمعنى الحقيقي لها لبناء مجتمع حديث، موجهًا نصائح للمثقف العربي بضرورة أن يكون مثقفًا قادرًا على التغيير في ظل مجتمعات نامية، وشاطره الرأي الكاتب والمفكر البحريني الدكتور حسن مدن، بقوله «يقع على عاتق المثقف العربي مسؤولية الحداثة والتخلص من معوقاتها، لتحديث البُنى الاجتماعية التي تعتبر أحد أعمدتها».
ووجه الناقدين العديد من الرسائل الأدبية التي تتبلور حول ضرورة تطبيق الحداثة الفكرية النابعة من الكنز التنويري العربي الإسلامي؛ لكونه زاخرًا ويخدم التيارات بعقلانية وتبصير، مشددين على عدم اللجوء إلى الارتداد للحداثة التي لطالما تبحث عمّا وراء الحداثة ذاتها، والتي تبحر في إعادة النظر في الفكر ما بعد التنوير، حيث أبان الدكتور حسن مدن على أنه يمكن تسمية الفكر ما بعد التنوير كنوع من الاقتحام دون مراجعة عقلانية، متسائلًا كيف يمكن أن نلجأ إلى ما وراء الحداثة ولم نطبقها ذاتها؟.
وللوقوف بشكل أكثر تفصيلًا عن تاريخ الثقافات العربية والوصل بين المثقفين العرب، سرد حسين بافقيه ماهية تجديد الفكر، موضحًا «بعد عامين سنحتفي بمرور 100 عام على نشر كتاب «خواطر مصرّحة» لأحد دعاة التحديث والتنوير محمد حسن عواد، الذي نادى بالتحديث والتبصير من خلال التخلص من الأفكار المقيدة لنصبح من مصاف الأمم المتقدمة»، وإذا ما انطلق الحديث به حول الثقافة والحضارة، يرى بافقيه أن كلاهما يدور حول التهذيب الروحي لا سيما مفهوم الثقافة، بينما تدور الحضارة حول النواحي التقنية، وبالعودة إلى المثقفين والفلاسفة العرب قديمًا سنجد أن كلمة العمران البشري اختصار لما تم ذكره، فيما اعتبر حسن مدن، أن الأوجاع العربية وويلات الحروب استحدثت فكرًا جديدًا، حيث خلقت نوعًا من المصطلحات والمفاهيم التي تختلف عن طبيعة المجتمعات ذاتها.
وأجمع المشاركون في الملتقى على أن الجزيرة العربية أصل الثقافة العربية لتوفر مكونات البيئة الثقافية بها قبل نشوء الدولة الوطنية الحديثة، ومنها شاع المد الثقافي من المغرب العربي إلى العراق، حيث لا يتمرد مثقفو الجزيرة العربية على خصوصية المثقفين العرب، بوصفهم امتدادًا لبعضهم البعض، معربين عن فخرهم في التقليد الثقافي بين كافة أطياف المجتمعات العربية، للوصول إلى ما يسمى بـ الثراء اللغوي المعرفي والتخلص من القطيعة الثقافية على ألا يكتفي كل بلد بما ينتجه أبناؤه من روايات وكتب، لاسيما أن «نهل الثقافة واستقائها كنزٌ لا ينضب».