مسعدة اليامي - «الجزيرة الثقافية»:
يتحدث عبر هذا اللقاء الباحث الروائي الكاتب إبراهيم المكرمي عن فقراء المدينة الذين يسعون إلى النجاح والتغير، بينما فقراء القرية يكتفون بما يجدون، مقتنعًا بأن الكتابة نوافذ للأفكار، وصولهُ لن يكون إلا بالتعبير, كما أنهُ معجب بطرق البحث التاريخية التي يستخدمها الغرب في قراءة الأحداث التاريخية.. التي جعلتهم قبلة للأدب والفنون.
* لماذا تكتب, ولمن تكتب، وماذا تعني لك الكتابة الروائية، الفكرية، التاريخية؟
- على الرغم أنه سؤال طبيعي قد أواجهه في أي لحظة إلا أن جوابهُ صعب على الأقل بالنسبة لي، فأنا -للأمانة- لا أعلم لماذا أكتب أو ما حاجتنا للكتابة، ولكني مقتنع بأننا نوافذ للأفكار فهي لن تنفذ وتبقى في عالمنا إلا من خلال من لديهم ملكة الكتابة أو التعبير بأي فن كان أو إبداع، أما لمن الكتابة فهي للآخرين بطبيعة الحال، فلا قيمة لأي فكرة أو حرف إن لم يكن للآخر، وفي منظوري ليس هنالك ما هو وأعظم من أن تكتب نصًا يلامس شخصًا في مكان وزمن ما. أما عن الكتابة بأنماطها وسلوكياتها المختلفة فهي لنتخلص من الأفكار التي ظلت تداهم مخيلتنا وتفكيرنا، لتنتهي رحلة ما ونشرع ببدء رحلة إبداعية جديدة في أي مكان، ومن وجهة نظري أننا لا نختار ما نكتب، أو بمعنى أدق لا نجد أنفسنا إلا شغوفين ونريد إضافة أفكارنا لهذه المجالات.
* القراءة وجود أو إثبات وجود، وكم من الوقت تمضي في محراب خير جليس، وما نوع الأدب الذي تقرؤه بكثرة؟
- إصدار الأسئلة تلو الأسئلة يتحول إلى انبعاث لا محدود، شيء يحتاج إلى علاج دائم، وعلاجي مع كثير من الحالات المشابهة لي هي القراءة، إلى أن تتحول إلى أسلوب حياة، كالهواء النقي في مدينة يتسع في سمائها طبقة الأوزون من فرط الملوثات الجوية، أما عن الوقت فمتوسط، قراءتي اليومية يتجاوز الثلاثين صفحة يومياً، وأقرأ كثيراً للفلسفة والأنثروبولوجيا، والتاريخ، والرواية، وبعض الكتب المعاصرة التي تشرح لنا كثيرًا من الظواهر التي نعيشها.
* ما مدى شغفك بالرواية، وهل طرقت ذلك الباب لسبب ما؟
- هذا السؤال أكبر دليل بأننا كائنات تتغير، فآراؤنا تكون دائماً تحت وطأة الظروف والمتغيرات مهما كان حفاظنا عليها إلا أنها قابلة للتغير، قبل سنوات ومع كثرة قراءتي للأعمال الروائية العالمية بشكل خاص, وقفت أقول لنفسي إن الكتابة الروائية لشخص مثلي مستحيلة، فهي تحتاج إلى عبقرية متناهية، وكنت أجد أن كتابة نوع كهذا من الأدب أمر مستحيل ومغامرة قد تسقط أي مثقف أو أديب، ولكن بعد ظروف معينة كنت قد واجهتها ولفترة ليست ببسيطة، وجدت نفسي بلا سابق إنذار أكتب نصًا، وعندما عرضته على أحد الأصدقاء انبهر من قدرتي في السرد ونصحني بالمواصلة إلى أن انتهيت من كتابة روايتي الجديدة «شرفة على العدم»، ما أريد أن أقوله إن الألم والشغف قد يجعلك تفعل أشياء كنت تراها مستحيلة الحدوث بالنسبة لك.
* الرواية الاجتماعية من أسهل أنواع الروايات كتابة وأصعبها نقدًا، ما رأيك في ذلك؟
- لا أجد في الكتابة الروائية أي سهولة تذكر مهما كان تصنيفها، فأنت محكوم في نهاية الأمر بأسلوبك الخاص في الكتابة وما يرافق ذلك من لغة يفهمها القارئ وحبكة وقبل ذلك غايتك من هذا النص.
* العنوان للعمل هو العتبة الأولى للقارئ والناقد، فماذا يعني لك اختيار «شرفة على العدم»؟
- هذا العنوان يعد الملخص التأويلي لكل تلك الأحداث في الرواية، ففي عالم العدم الفسيح كل الأشياء ذات نهاية ليست عادلة، وليس لها أثر سوى في أعماق النفس البشرية فقط.
* روايتك تحمل مجموعة من القصص الواقعية، أي ميزة ترى في كتابة ذلك الطفح على وجه المجتمع من خلال مواقع التواصل وغيرها من وسائل النشر؟
- بما أننا أفراد من مكون المجتمعات، فنحن بطريقة أو بأخرى نمثل زاوية رؤيتنا للأحداث فيها، وإن لم يكن لهذه الكتابة أي تذكر لرأب صدع المجتمعات فإنها في نهاية الأمر تعد محاولة لتسليط الضوء كما يرى الروائي.
* بعدما نُشر العمل الإبداعي الأول وتلقيت الآراء بماذا تفكر, وهل العمل القادم على الطاولة؟
- لا شيء مضمون في عالم الكتابة، فكما أسلفت نحن لسنا إلا بوابة للأفكار في هذا العالم، ومتى ما شعرت بأني أعطيت كل ما لدي سأتوقف حتماً، فأنا لا أريد حرق نفسي بتكرار الأعمال أو تقديم ما لا يستحق أن يبقى في الرفوف، أما عن أعمالي القادمة فهناك كتاب تاريخي في طريقه إلى المطبعة، كما أن هناك رواية ذات طابع تاريخي أقوم بكتابتها الآن.
* روايتك قصيرة جداً فهل ذلك جس نبض للمشهد الثقافي أم أنك تُعرف بقدوم روائي أو عندك أقوال أخرى؟
- الكثير من الروايات التي بقيت في ذاكرة البشرية كانت قصيرة، وهنا أرى أن حجم الرواية أو أي عمل آخر, بما فيه من قيمة أدبية أو إبداعية وليس بعدد صفحاتها.
* قبل الشروع في كتابة رواية، ما هي طقوسك وكيف تعد أدواتك وما أهم ما تقرأ قبل ما تبدأ؟
- للأمانة في الشق الروائي أنا عبثي، ففي اعتقادي بأن كل الأشياء تأتي بلا ترتيب مسبق، متى ما كانت الفكرة حاضرة فسأبدأ في الكتابة مهما كان الوقت أو الظروف أو الأدوات المتاحة، كما أنني أجتهد بأن ما أقرؤه لا يتأثر بما أكتب، خصوصاً في العمل الروائي، أما مجال الدراسات التاريخية فهو مجال دقيق في الكتابة والوقت والأدوات ويتوجب عليك البحث والاطلاع على كل المصادر، وقراءة أشهر وأهم من كتب عن الموضوع أو المادة البحثية، والتأثير حتماً سيكون حاضرًا في عملك.
* أخذت آراء قبل النشر أم أنك اكتفيت برأي إبراهيم المكرمي؟
- البيئة التي عشت فيها لا تعطي للقراءة والكتابة وزنًا يُذكر، وقد تكون في أحيان مثل هذه المهمة جريمة مجتمعية لا تغفر، فالإنسان عدو ما يجهل، وطلب الرأي في هذا الحالة لا يعد سواء انتحار للقلم والفكرة، ولا يجب على الكاتب أن يقوم بذلك بشكل قطعي، إلا أن كنت تمتلك صديقًا يشاركك المهنة نفسها، فمن المؤكد أن نصيحته ورأيه سيكون ذا أولوية.
* رواية التحليل النفسي والفكري برأيك ماذا تحتاج حتى تظهر بنسبة ثمانين أو سبعين بالمئة من الجودة الأدبية والفكرية والنفسية؟
- أكثر الأعمال ذات أثر في التاريخ هي من عاش أصحابها تفاصيلها، فأنت من يعرف هذه المشاعر ومن تذوق ألمها وتجرع مرارة الغربة النفسية والفكرية فيها، فبالتالي سيكون تقييمك لها ومن ثم نقلها ذات أثر سيشعر به القارئ، كما أنني لا أغفل أشياء مهمة كعمق ثقافتك واطلاعك وسلاسة اللغة، وهنا أضمن لك تحقيق نوع من الجودة.
* على خطى من تمشي في عالم الفكر والأدب وبماذا تطمح؟
- هناك أسماء كثيرة لا يسع المجال لذكرها لكثرتها في هذا العالم الفسيح، أما ما أطمح له فهو أن تبقى أعمالي على الرفوف لأطول وقت ممكن، البشر بعد أن تأتي منيتك لن يهتموا بطريقة حياتك أو ما كنت تفعله، فهذه الدنيا بقدر ما الذي كنت تفكر فيه، وما هي الأفكار الجديدة التي تفضلت بالكتابة عنها، وما مقدار محاولاتك في التغير من هذه الحياة لتكون أكثر قابلية للعيش، وهذه هو ما أطمح له بأن يبقى ما أكتبه.
* باحث تاريخي ماذا يعني لك ذلك وماذا يحتاج من جهد وكيف كانت مشاركتك كمحكم في جائزة الشيخ راشد للإبداع؟
- البحث مهمة المخاطر الأولى من نوعها بالنسبة لي، وجهدها مضاعف، فأنت تحتاج أن تسافر للبحث عن الكثير من الكتب النادرة ومعاينتها، ومقارنتها مع مصادر أخرى، وتطبيق معاير البحث التاريخ الحديث عليها، ليتسنى لك الخروج بمادة جديرة وإضافة جديدة للتاريخ. بالنسبة لمشاركتي كنت عضوًا بلجنة التحكيم في جائزة الشيخ راشد للإبداع، واختياري كان عن طريق اللجنة المنظمة عام 2020 في الدورة الثانية للجائزة بدولة الإمارات العربية المتحدة، كانت هذه من أهم محطاتي وأتمنى أني كنت إضافة لتجويد واختيار الأعمال التاريخية الفائزة، وأشكر ثقة الشيخ راشد بن حمد الشرقي وأمانة الجائزة لكل تلك اللحظات التاريخية.
* هل تفكر في كتابة الرواية التاريخية وخاصة أنها قريبة من تخصصك كباحث في التاريخ الإسلامي؟
- روايتي التي أقوم بكتابتها الآن هي رواية تاريخية، كانت ستكون بحثًا تاريخيًا تقليديًا، ولكني فضلت تحويلها لرواية تاريخية.
* لماذا أنت محب للتاريخ الغربي وما الفرق بينه وبين التاريخ العربي وهل فعلاً أن الشعوب التي لا تعرف تاريخها تلعن بالتكرار؟
- أنا لا أحب التاريخ الغربي لأنهُ لجهة جغرافية معينة، إنما أنا معجب بطرق البحث التاريخية.. التي يَستخدمها الغربيون في قراءة الأحداث التاريخية، وأنا أجد ذلك رافدًا مهمًا ساهم في رفعة الأعمال الأدبية، وهذا ما جعلهم لفترة طويلة قبلة للأدب والفنون، أما جهلنا بالتاريخ فهو دلالة على أننا لا نواكب الزمن، عندها نكون عرضة لأي خيبة كانت قد ظهرت في التاريخ لمن لا يعرف نفسه وتاريخه.
* ماذا تقصد بفقر المدينة وفقر القرية وبماذا يتميز كل منها عن الأخرى؟
- خلال دراسة قامت بها جهة معتبرة في الولايات المتحدة الأمريكية وجدوا أن الفقراء الذي يعيشون في المدينة يكونون عرضة للنجاح أكثر بكثير من الفقراء البعيدين عن المدن سواء في القرى أو المجتمعات النائية، وقد تكون الأسباب في نظر هذه الدراسة بسبب أن فقراء المدينة يحتكون بالنماذج في المدينة الناجحة ويدرسون في مدارسهم، فتزداد رغبتهم عن طريق هذا الاحتكاك بالنجاح، أما فقراء القرية فلا ضرورة للحافز، فيكتفي أن تكون بوظيفة معينة تساعده على تدوير عجلة سير الحياة في هذه القرية.
* ماذا تعني لك الحرية في صوامع الفكر والكتابة، وهل أنت مؤمن بأن الحرية فعل خاص بالفرد؟
- وُلد الإنسان حراً، وبالسعي الحثيث يمكن تحقيقها وجعلها قابلة للممارسة، ولا شك بأن الحرية تبدأ من الفردانية المطلقة، فمتى ما جعل الفرد من الأجواء المحيطة حوله مساعده على الكتابة, كان بذلك الأمر قد حقق الحرية لكل فكرة بالظهور.