عبد العزيز الصقعبي
إلى:..
إليكِ أنتِ.. ولكن قبل ذلك لتعرفي وليعرف أيضاً الجميع، أنا مجرد شاهد، لا تربطني بكِ علاقة مطلقاً، لم أعرفك، ولن أعرفك مطلقاً، أنتِ مجرد شبح أسود، لمحناه، ثم اختفى، أنا حينها لم أكن البطل، ولا أجرؤ، البطل كان صديقي الذي سيتذكر هذه الحادثة، والذي سيقول عندما أذكّره بها - هداك الله.. طيش شباب-، فعلا هو صادق، ولكن ماذا أعمل بذاكرتي التي تنبش أحداثاً مضى عليها أكثر من ثلاثة عقود، حيث كانت وسيلة التواصل الوحيدة «هاتف منزلي»، أتذكر أنني كنت أقود سيارتي وعند إشارة مرور لمح الصديق طيفاً أسود يجلس على المقعد الخلفي في سيارة يقودها سائق، تخيل أنها تبتسم له، مما حفّزه لقذف ورقة صغيرة بها رقم هاتفه، لمحتُها وهي تمسك بالورقة وتضعها مباشرة في حقيبتها، مشهد شاهدناه كثيراً في بعض المسلسلات وبالذات طاش، غزل جيل لم يعرف التقنية بعد، ومتعته سماع الصوت عبر الهاتف، الحكاية عادية جداً، ولا تستحق أن يكتب عنها، ولكن، ليس الأمر كذلك، بالذات في تلك الحادثة، الشبح الأسود الذي رأيناه في السيارة بكل تأكيد امرأة، صديقي لمحها وهي تبتسم، كانت النظرة ثم الابتسامة، فسلام فكلام، ها نحن ننتظر الكلام، حقيقة أنا لا أنتظر، ولكن ذلك الصديق، هو قادر أن يتحدث، يختار اسماً رمزياً، وهي غالباً كذلك، وتبدأ العلاقة، عدنا مباشرة لبيت الصديق، و جلس بقرب الهاتف، تذكرت أغنية عتاب «كلمتكم خطكم مشغول» وتذكرت أيضاً طلال وهو يقول « أنا جالس ومستني على التلفون تطلبني»، لحسن الحظ أن في الغرفة التي نجلس بها، والتي بها جهاز الهاتف، تلفزيون وجهاز فيديو، قررت أن استمتع بمشاهد فيلم عربي استأجرناه قبل ساعات، وليبق الصديق بالقرب من الهاتف.
أنتِ الآن خارج المشهد، قذف شاب ورقة صغيرة بها رقم هاتف، لا تعرفينه، ولا يعرفك، سقطت بجانبك على المقعد، أمسكت بها، ووضعت الورقة مباشرة في حقيبتك، ربما قررت أن تحتفظي بالرقم، بالطبع هنالك صعوبة لمعرفة صاحب الرقم، هل تغامرين وتتصلي به عندما تصلين إلى بيتك، أم تطلبين من أحد أن يتصل به ويقدم له نصيحة بعدم تكرار ذلك، وعدم مضايقة النساء، أم تمزقين الورقة، وتعلمين أنه سيكون جالسا بالقرب من الهاتف في انتظار اتصال منكِ، ربما تفرّغ لذلك الانتظار، ألغى جميع ارتباطاته، وبقي قرب الهاتف، وقتها لم تُعرف بعد الأجهزة التي توضح رقم المتصل، و لو اتصلت لن يعرف مطلقاً رقم هاتفك، هل أنت محتاجة لسماع صوت رجل، التحدث معه، سؤال صعب، في زمن صعب، العلاقة فيها كثير من العبث واللهو، فيها كثير من ممارسة ما هو شاذ وغير مألوف، أنت في بيتك، غالباً تعيشين قلق وجود رقم بحوزتك لشخص يريد أن يتحدث معك، وصديقي ينتظر، ويحلم، ربما صديقي ليس من المتمرسين « بالترقيم» فهنالك من يوزع رقمه على عدد من النساء اللاتي يراهن أو يقابلهن في الأسواق، بعضهن ينهرنه، وبعضهن، يضعن الورقة في أقرب حاوية نفايات، ولكن قد تغمس السنارة وتصطاد، وتحدثه فتاة تبحث عن حب وهمي، يا إلهي أصبحت منظراً، وأنا لست كذلك، القضية ورقة بها رقم قَذَفَ بها شاب إلى فتاة، وجلس ذلك الشاب مثل طلال المداح بالقرب من التلفون ينتظر المكالمة، المزعج أن الهاتف ليس خاصاً بذلك الصديق، بل لأسرة كاملة، وبالطبع سيكون مشغولا بالاتصال والاستقبال، من قبل أفراد العائلة، سيكون عذر الصديق، طلب تأجيل المكالمات غير المهمة، لكونه ينتظر مكالمة مهمة، وعندما يتصل أحد ويرد عليه ويكون المطلوب أحد أفراد الأسرة يقول ذلك الصديق « غير موجود.. أو اتصل في وقت آخر» يا لهذه الورقة التي طوقت صديقي، وجعلته لا يستمتع معي بمشاهدة الفيلم، ولا يستوعب ما كتب في صحيفة يومية يقلب صفحاتها وهو ينتظر، هل أنتِ أيتها المرأة التي أخذت الورقة ووضعتها في حقيبتك الصغيرة، تعانين مثله، هل تنتظرين وجودك وحيدة بالقرب من الهاتف لتغامري وتتصلي بالرقم المكتوب على الورقة الصغيرة، أو من باب الفضول وضعتها في الحقيبة لتقرئي ما هو مكتوب بها، بعد أن ابتعدنا عن السيارة التي تقلّك، وعندما وجدت أن المكتوب بها مجرد رقم، قذفت بالورقة من نافذة السيارة.
انتهى الفيلم العربي، وسمعنا صوت الهاتف يرن، يرفع صديقي السماعة بلهفة، ويرد بعد سماعه سؤال متصل عن بيت معين ليقوله، وكان رجلاً «الرقم خطأ».
لا أعرف حتى الآن ما هو الخطأ تصرف الصديق بقذف الورقة وانتظار المكالمة، أم احتفاظك بها مع عدم الاتصال، بعد تلك السنوات الطويلة، ها هي رسالة صوتية من ذلك الصديق تصلني على هاتفي المحمول يطلب مني نسيان الأمر، ماذا أفعل، رسالتك أيها الصديق وصلت متأخرة وأنا انتهيت من كتابة الزاوية.