«استكمال 1»
في المقال السابق كان الاستنتاج هو أن الفن ليس غريزة؛ وهو جزء من الوعي؛ يرتقيان معاً بمقدار تفاعلهما. كما أن «أول» مقومات الفن هو الموهبة، التي من الأجدر أن تسمى «المقدرة الفنية».
المقوم الثاني «برأيي» للفن هو: (دمج المقدرة الفنية بالعمل!)، وذلك لأن المقدرة الفنية ليست ثابتة لا تتغير. وهي خاضعة دون شك للنمو والازدهار كما هي خاضعة للاضمحلال والتدهور.
والفنان المقتدر تضمحل قدرته الفنية وربما تندثر إذا كان إنتاجه الفني غير فاعل اجتماعياً، أي أن إنتاجه يبقى لشخصه وحسب دون غيره. والفنان الفاعل اجتماعياً تتطور مقدرته الفنية وفاعليته الاجتماعية أيضاً!
إذا كان الفن هو جزء من الوعي؛ فالوعي الإنساني بالأساس مبني على «التجربة»؛ التي تعتبر هي «دمج المعرفة بإرادة التغيير»؛ وكل ما أنتجته البشرية من تراكم معرفي وفني قائم على التجربة! لذلك فالفعل الاجتماعي أو العمل لأي فنان هو التجريب الذي يصقل الحصيلة المعرفية والفنية لذلك الفنان!
أبرز مثال على تنامي قوة وتأثير المقدرة الفنية هو ما حصل لأبي الطيب المتنبي. فهذا الشاعر الفذ عاش في أواخر الفترة العباسية قبل انهيار الدولة. ولم يقف فنياً فقط لمواجهة ذلك الانهيار، إنما كان على رأس فصيل مقاوم لذلك الانهيار! أي أنه كان فاعلاً اجتماعياً بامتياز، وجاء إنتاجه الشعري أو الفني «مندمجاً» مع المهمة الاجتماعية العظيمة التي تبناها!
وبالمقابل هناك شعراء وفنانون في مختلف أنواع الفن لم يسمع بهم أحد! أو سمع بهم القليل إلى حين ثم دخلوا دائرة النسيان! وكان ذلك إما بسبب خمولهم أو بسبب ابتعادهم عن الهم المجتمعي. ومن هذا المنطلق فالمقدرة -كجزء من الوعي- لا يمكنها أن تكون فرديةً فقط، كما لا يمكنها أن تكون اجتماعية فقط! لأنها في هذه الحالة ستكون عبارة عن شعارات مصفوفة، ليس لها طعم أو لون أو رائحة فنية. وهي غير جديرة حتى أن تعلق في الذهن.
نرجسية الفنان هي أيضاً من العوامل المدمرة للمقدرة الفنية! فالنرجسي يرى نفسه فوق التجربة الشخصية والتراكم الفني البشري! وبالإضافة إلى ذلك نرجسية الفنان تمنعه من رؤية الحقيقة التي لا مفر منها، وهي أنه كإنسان هو نتاج مجتمع، وكفنان هو نتاج التراكم التجريبي للبشرية كلها. «وللحديث بقية»!
** **
- عادل العلي