هذا المقال الماثل بين أيديكم ليس نقداً ولا أظنه حتى تصنيف قراءة لعمل يحمل مستوى رفيعا وإنما هو انطباع قارئ وليس بالضرورة يطابق انطباع قراء آخرين.
في مجموعة (نزف من تحت الرمال) للبطران حسن ستجد نصوصا قصصية قصيرة جداً عمد فيها الكاتب على اللغة وتكثيف المفردة حد الغموض وهذا وجدته من قبل في مجموعة سامي جريدي (رأيته يفتش عن صحراء).
ذهبت القصة إلى إلباس النص حلة لغوية غارقة في التكثيف أكثر مما ينبغي وكأن العمل ليس لكل قارئ. إذ لمست في مجموعة البطران هذه ثراء لغوياً يجعل المتلقي في حيرة إن توقف على النص يبحث عن شكل القفلة في أخر جملة له، رغم توفرها في ظل ذلك التدفق اللغوي، ولكن هذا النوع من القراء يحتاج إلى شكل ما من القراءة وهي فحص النص فحصا دقيقا سيُذهب عليه المتعة التي هي أساس التلقي لديه.
جميع النصوص المدرجة في هذا النزف للبطران ذهبت للغموض إلا قلة منها، ولن تفضي بك لزاوية معينة تستطيع من خلالها الدخول للنص لتتمكن من بناء فكرة معينة تجاهه إذ طغى ذلك حتى على القفلة.
وأنت تقرأ المجموعة تشعر بأنك أمام كاتب لغته عالية جدا لكنها تأخذك إلى محاولة اكتشاف نص أدبي عالي المستوى حتى لو انقسم القراء حولها إلى قسمين:
متلق عام وهذا باعتقادي أن عليه المضي مستمتعاً بالمطروح دون أن يسعى من خلال القراءة الأولى إلى رسم زاوية ما يبحث من خلالها إلى تحديد موقف ما، وعليه كذلك ألا يحكم على العمل من القراءة الأولى فقد يصل إلى هذا المستوى لاحقا فيما لو شكل قراءاته للقصة القصيرة جدا وتعددت تجارب كتاب كثر لديه ربما يعود لنزف البطران ويجده أسهل بكثير مما تلقاه سابقا.
أما المتلقي الذي لديه تجارب مع هذا النوع من القصص فإنه سيرسم زاويته باقتدار ومتعة، لكنه على دراية كاملة أنها نصوص تغوص كثيراً في الغموض ولكنها كفيلة بفعل الدهشة والتجاوب على مستوى عالٍ من الطرح.
** **
علي المالكي - جدة