حديثنا هنا عن الفُرْع، وهي ولاية كانت تابعة للمدينة المنورة في صدر الإسلام، وفيها مقر الوالي الذي يتم تعيينه من قبل الخلفاء في المدينة المنورة، وهو من أشهر وأطول الأودية الحجازية الواقعة بين الحرمين الشريفين. قال ابن الفقيه: «فأما أعراض المدينة فأضخمها الفرع وبه منزل الوالي [معجم البلدان: الحموي، 4، ص 252].
وعن هشام بن عروة أن الفرع أول قرية مارت إسماعيل التمر بمكة، وكانت من ديار عاد. والفُرع: من أشرف ولايات المدينة [معجم ما استعجم: البكري، 3 - ص1020 و1021].
شهرته: اكتسب الفُرع شهرته من وقوعه على ممر الطرق بين الحرمين الشريفين بالإضافة إلى ما يتميز به من وفرة المياه وكثرة العيون والخيوف حتى سمي بوادي النخل، وفي كتاب وادي الفُرع أحصى المؤرخ محمد بن صالح البليهشي عدداً كبيراً من عيونه وخيوفه وقراه. ويمر به الطريق الفرعي، حيث به ثلاث محطات لطريق الحاج الفرعي، هي بئر رضوان القفاري ( أمير الحج المصري) ومحطة أبي ضباع وأعلاها محطة الشعبة.
منابر المدينة: «المدينة تجبى على أربعة عشر منبرًا» [ينظر المناسك 413 - 414]. وهي: خيبر ووادي القرى والمروة والعيص وينبع والجار والصفراء وودان والفُرع والسائرة، وجبلة ورهاط والجحفة وعسفان.
منابر الفرع: والي الفُرع يجبي اثنى عشر منبرًا هي: الفُرع، والمضيق والسّوارقيّة، وساية، ورهاط، وعمق الزّرع، والجحفة، والعرج والسّقيا، والأبواء، وقديد، وعسفان، واستارة. وبحران ناحية من الفُرع. [معجم ما استعجم 3 - 1021]. وبحران أسفل السائرة. ومن القرى المجاورة له الأكحل وخضرة والوجيدة وغيرها، وكلها تابعة له. كما أن الصّفراء وأعمالها من الفرع؛ ومنضافة إليه.[معجم ما استعجم 3 - 1020].
تحركات أبناء المهاجرين والأنصار في منابر الفُرْع وما حولها:
عندما قامت دولة الإسلام في المدينة نزلت القبائل فيها وجاوروا الأوس والخزرج (الأنصار)، وقد أقطع النبي - - صلى الله عليه وسلم - - لبعض القبائل المجاورة قطائع في تلك الأودية «وأقطع فيها لغفار وأسلم قطائع» [معجم ما استعجم: البكري، 3 - 1021]، كما أقطع النبي - - صلى الله عليه وسلم - - بلال بن الحارث المزني المعادن القبلية. [إتحاف المهرة: ابن حجر، 2 - 80]. و»كتب - عليه الصلاة والسلام - لسعيد بن سفيان الرعلي ... أعطاه نخل السّوارقية «[سبل الهدى والرشاد: الصالحي، 11 - 382].
وبعد أن تغيرت الظروف في المدينة انتقلت الكيانات القرشية والأوس والخزرج (الأنصار) إلى الأودية المجاورة للمدينة وتملكوا فيها وشاركوا أهلها، وساهموا في تعميرها حتى تملك الكثير منهم عددا من العيون وآلاف النخيل. فنزلت الأنصار وقريش في الفرع والصفراء، قال عرام : «الفرع، وهي لقريش والأنصار ومزينة» [نوادر المخطوطات، ج 2 - 404]. وقال عرّام عن الصفراء: «هي لجهينة والأنصار ولبني فهر» [نوادر المخطوطات، 2 - 398]. وبنو فهر من قريش ذكرهم اليعقوبي في الحفيرة [البلدان، 152]، وقال البكري: «يسكن الصفراء جهينة والأنصار».[معجم ما استعجم، 3 - 836]. ومن الأنصار (يونس بن محمد الظفري. منزله بالصفراء)، وهو من الأوس»[أسد الغابة، 72]. كما ورد ذكر الخزرج بالقرب من نخلى غرب المدينة، ومنهم قيس بن سعد بن زيد الأنصاري [معجم ما استعجم 1 - 158].
كما ورد ذكر بني ساعدة (الساعدي) في تلك النواحي، [الاغاني 16 - 78]. وقال محمد الخارجي أحد سكان الروحاء: «بينا نحن بالروحاء في عام جدب قليل الأمطار.. وإذا بقطار ضخم كثير الثقل يهوي قادم من المدينة حتى نزلوا بجانب الروحاء الغربي بيننا وبينهم الوادي وإذا هم من الأنصار» [ الأغاني: الأصفهاني، 16 - 75]. كما نزلت الأنصار في نواحي النازية وما حولها ولهم تصادمات ومنازعات مع بني سليم [نوادر المخطوطات 2 - 429]. وقد ورد ذكرهم في عهد أبي جعفر المنصور حيث «كان الأنصاريون أهل عمود وماشية». [ وفاء الوفاء3 - 228]. ومنها خيف سلام وفيه منبر وناس كثير من خزاعة، ومياهها فقر أيضاً، وباديتها قليلة وهي جشم وخزاعة وهذيل. وسلام هذا رجل من أغنياء هذا البلد من الأنصار» [نوادر المخطوطات 2 - 414]، وفي الجاهلية كان لأحيحة ابن الحلاج العوفي الأوسي نخيل في حنذ. [ينظر أكثر نهاية الإيجاز (بحث): د. عبد الرزاق الصاعدي]. وقد استوطنت الكيانات القرشية في قديد واستارة والسقيا والأبواء والجحفة والعمق ولقف والسوارقية وساية ومهايع وعسفان والسائرة والأكحل وأفيعية والمسلح ونقيا والقيا وفيما بين صفينة وحاذة، والأحماء وذي الخدمة والأتم والأخيرة لبني طلحة بن عبيد الله (التيمي) «. [ينظر المناسك: الإمام الحربي، 335 - 337 - 341].
الفُرع: لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أموالاً بالفُرع. [ينظر، الجوهرة: البري]. ومن أقاربه أمير الفرع علي الخواري، وابنه الحسن.[الأنساب الطالبية: الرازي 93]. ومن أقاربه على المرعش بن عبد الله بن الحسن بن الحسين الأصغر. ومن نواحي الفرع العمق: وادٍ، «وفيه عين لقبيلة من ولد الحسين بن علي». [الجبال والأمكنة والمياه: الزمخشري]. ويظهر أن الفرع يقصد به أبو ضباع.
عين المضيق بالفرع: هي للحسين بن زيد بن علي (ت: 200هـ تقريبًا) [ينظر وفاء الوفاء 4 - 147]. وله عيون في السقيا وذي المروة. ومن أقاربه أحمد الحري بن الحسين بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهو أول من نسب إلى الحرة، وهي موضع بالمدينة وفي أيدي أحفاده صدقة رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - . [الأنساب الطالبية: الرازي، 144].
وفي المضيق مسجد البرود وبجواره كانت منازل أسلم، فكان الأسلميات يأتين لعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - بالفُرش في مسجد البرود [وفاء الوفاء: السمهودي، 3 - 177].
أم العيال: تسمى صدقة فاطمة بنت رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - - «. ومن أشهر الأثرياء الذين عمروا قرية أم العيال من آل معمر - رضي الله عنه -: جعفر بن طلحة المعمري التيمي: نسبة إلى معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد من بني تيم من أبناء عمومة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - صاحب أم العيال، وهي عين أنفق عليها ثمانين ألف دينار، وكان يغلّ من ثمرتها خاصة أربعة آلاف دينار وكانت تسقي أزيد من عشرين ألف نخلة؛ [جمهرة أنساب العرب: ابن حزم 1 - 140].
وغرس جعفر بن طلحة أم العيال برنيًا، فلما أطعم، جاءت رفقةٌ من الشرق يطلبون شراء التمر من الفُرع، فقال لهم جعفر بن طلحة: ادخلوا مِربدي فانظروا إلى التمر، فدخلوا، فلم يروا إلا برنيًا فخرجوا وهم يقولون: لا حاجة لنا بهذا. فقال لهم جعفر: فما تريدون؟ قالوا: نريد أكثرها رُبًّا، وأصغرها حبًّا؛ العجوة. قال: فقال جعفر: افتضحت ورب الكعبة! فغرس ماله الذي يُعرف بالخالص عجوة». [جمهرة نسب قريش: ابن بكار، 1 - ص 423]، والخالص ناحية زراعية مازالت معروفة في جنوب قرية أم العيال بالفرع. ويظهر أن تعمير جعفر بن طلحة لخيف أم العيال بالفرع له علاقة بقربه من بني سبيع رهط جدته رملة بنت عبد الله بن خلف (أحد مشاهير بني سبيع من بني عمرو الخزاعية)، وهي أخت طلحة الطلحات وأم طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر [ أنساب الإشراف: البلاذري، 10 - 148]. وطلحة بن عمر المعمري وقد تزوج فاطمة بنت القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب، وكان صداقها ثلاثمائة ألف. [جمهرة نسب قريش 1 - 79].
السوارقية: وهي قرية من قرى المدينة يقال لها: قرية أبي بكر الصديق، منها: أبو بكر محمد بن عتيق بن نجم بن أحمد السوارقي البكري، (ت 538 هـ )». [ينظر الأنساب: السمعاني 7 - 181]. المديني: أو المدني أو السوارقي لقب يطلق على من سكن السوارقية من ذرية أبي بكر. ثم إن «ولد طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق يسكنون البدو، بموضع يقال له حاذة والأتم» [نسب قريش 278]. بحذا المسلح وأفيعية.[جمهرة نسب قريش1 - 393]. ومنهم: ابن أبي عتيق، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق». [نسب قريش 278].
الأكحل: من قرى ولد أبي بكر الصديق، [معجم ما استعجم 1 - 128]. وكانت لعبد الرحمن بن أبي بكر واشتراها عاصم بن عمر». [ينظر تاريخ دمشق 59 - 428]. وفي كتاب المناسك:» ومن سلك الطريق الأخرى على السائرة نزل وهذه (؟) من أودية ولد أبي بكر» [ص 340]. فبذلك يكون لذرية أبي بكر أودية وضياع منها: وادي حجر (السائرة) والسوارقية والأكحل، ومن الأسماء التي ذكرت: «القاسم بن نافع السوارقي المديني. يروي عن هشام بن سعد. روى عنه يعقوب بن حميد بن كاسب المديني». [ينظر السمعاني 7 - 181]، ومنهم عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق... أبو محمد القرشي التيمي الفقيه المديني وفد على هشام بن عبد الملك متظلماً من عامل المدينة خالد بن عبد الملك. [مختصـر تاريخ دمشق 15 - 11]، ولم أقف على أحد من سكان تلك النواحي في العصور المتقدمة يلقب بالمديني سوى ذرية أبي بكر - رضي الله عنه-.
وفي كتاب المناسك وطرق الحج: «الأكحل.. وهو لآل عاصم بن عمر بن الخطاب وللحسنيين» [ص 339]، والحسنيون واحدهم الحسني. كما أن لبني نوفل ضياعًا في السوارقية .[ معجم ما استعجم 3 - 764]. ومات إبراهيم بن موسى الزبيري في السوارقية. [جمهرة نسب قريش 1 - 175].
ساية ونواحيها: مهايع: أصلها لولد علي بن أبي طالب «خيف ذي القبر نسبة لقبر أحمد بن الرضا» [نوادر المخطوطات، ج 2 - 414 ]. ومن أهل مهايع: «أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عباد بن عبد الملك بن يحيى بن عباد عبيد الله بن الزبير». [التعليقات والنوادر 108].
ستارة وقديد وخليص: ستارة ترد في بعض المصادر بالهمزة، هكذا: استارة. وكان لعبد الله بن زمعة بن الأسود ضيعة في ستارة وقد نبشت زوجته قبر مسرف المري في المشلل وصلبته، بعد قتله لولدها يوم الحرة، [ نسب قريش 222]. والمعترضة ضيعة في أعلى استارة مجاورة لعين ابن البختري (البخترية) وهي للمغيرة (من بني مخزوم). [تاريخ دمشق 60 - 75]. في أعلى قديد توجد مزارع ابن البختري: «وولد عبد الكريم بن طلحة باستارة» [جمهرة نسب قريش1 - 271].
ومن نواحي وادي ستارة «جبلة، وأكثر أهلها الفُرّس» [ المناسك 170]. والفُرَّس: جمع فارس، وهم قبيلة بني فراس الكنانية فديارها قريبة من هناك. وجبلة في ستارة. وخرج محمد بن عباد (بن عبد الله بن الزبير) يريد صدقته بنمرة. قلت: الصواب هي ثمره شمال غرب استارة. [جمهرة نسب قريش 1 - 87]. وصاحب خليص هو محمد بن إسماعيل بن جعفر.
عسفان : من أعمال الفُرع. وكان يسكنها بجاد بن عمير التيمي [ينظر: الإصابة1 - 401].
الكديد: وهو ماء عين جارية، عليها نخل كثير لابن محرز المكّىّ. [معجم ما استعجم، 4 - 1119].
السقيا وملل: عين القشيري بين السقيا والأبواء لعبد الله بن الحسن العلوي». [وفاء الوفا 4 - 125]. والد محمد ذي النفس الزكية. وفي السقيا صدقات الحسن بن زيد».[معجم ما استعجم 3 - 743]. والسيالة بها قوم من ولد الحسن بن علي، والرويئة وبها ولد عثمان. [ينظر البلدان: اليعقوبي 152]. وكان أبو عبيدة ابن زمعة ينزل الفرش «[جمهرة نسب قريش، 1 - 267]. وكثير بن العبّاس ينزل فرش ملل»[معجم ما استعجم 4 - 1257]. ويين عين لبني زيد الموسوي من بني الحسن.[ الزمخشري: الجبال والأمكنة 337]. وبملل آبار كثيرة: بئر عثمان، وبئر مروان، وبئر المهدي، وبئر المخلوع، وبئر الواثق»». [معجم ما استعجم 4 - 1256]. ويين:»كانت تعرف من قريب بقرية بني زيد، فوقع بينهم وبين بني يزيد حروب، فجلا بنو زيد عنها إلى الصفراء، وبنو يزيد إلى الفرع.. وكانت منازل بني أسلم قديما».[التعليقات: الهجري 3 - 1745].
ودّان والأبواء: قال البكري: «والأبواء قرية من أعمال الفرع من المدينة» [معجم البلدان: الحموي، 1 - 79]. وقال أبو إسحاق الحربي: «هي لأخلاط من الناس وبها عين واحدة لقوم من رهط أبي الجهم، من بني عدي» [المناسك: الإمام الحربي، 454]. ونسبهم» القرشي العدوي الجهمي» [لسان الميزان: ابن حجر 3 - 299]. وفي ودّان منازل لبني عبد الله بن مطيع العدوي. [جمهرة نسب قريش: ابن بكار، 2 - 67]. كما كان ينزل ودان الصحابي الصعب بن جثامة من بني عبد الله بن يعمر الليثي، [الأنساب: السمعاني 12 - 229]، وهو من أبناء عمومة بني حمضة وبني حميضة. [ينظر تاج العروس: الزبيدي، 18 - 302 و307].
وفي القرن الرابع كان للجعفريين معاش ومساكن في ودان، قال أبو زيد البلخي ت:322 هـ: «وبها كان في أيام مقامي بالحجاز رئيس للجعفريين أعني جعفر بن أبي طالب، ولهم بالفرع والسائرة ضياع كثيرة، وبينهم وبين الحسنيين حروب ودماء حتى استولى طائفة من اليمن يعرفون ببني حرب على ضياعهم». وقال ابن الحصين في ذيله على الطبري:» ثم أجلاهم بنو حرب من زبيد إلى القرى والحصون».[تاريخ ابن خلدون، ج4 - 139]. يعني بذلك زبيد المذحجية، وقد وافقه في ذلك: ابن سعيد الأندلسي 685، والنويري 733هـ، وابن خلدون 808هـ، والقلقشندي 821هـ، والصيرفي 825هـ، والمقريزي 845هـ، والقرشي 923هـ، والسنجاري 1125هـ، والسويدي 1246هــ، ود. عبد الرزاق الصاعدي.
ولبني جعفر الطيار: نواحٍ ومساكن أخرى منها الفُرع والسائرة وأمج والجحفة، وقد ذكر اليعقوبي: أن لهم منازل في ملل [البلدان: اليعقوبي152] وفي كُتَانة بين الصفراء والأثيل. [ياقوت 4 -435] ومنازل للخلصيين الجعفريين في خَلْص [التعليقات: الهجري، 4 - 1745و1919]، وهي من ديار التراجمة اليوم.
دور خيوف الفرع في المجاعات: كان للزبيريين دور في تعمير العيون فعمل عبد الله بن الزّبير عين الفارعة والسّنام. وعمل عروة أخوه عين النّهد، وعين عسكر، واعتمل حمزة بن عبد الله عين الرّبض والنّجفة، وهما تسقيان أزيد من عشرين ألف نخلة [ينظر معجم ما استعجم 3 - 1020 و1021]. وللزبير بن خبيب ضيعه بالمريسيع. [نسب قريش 1 - 102]. وكان ثابت بن الزبير بن خبيب، يتبدّى برابغ، [جمهرة نسب قريش 1 - 105]. ولآل الزبير ملح بساية وخيف الزبيري في وادي حجر مازال يحمل هذا الاسم حتى اليوم.
سنيات خالد : في سنة 114هـ كان خالد بن عبد الملك واليًا على المدينة في زمن الخليفة هشام بن عبد الملك «فأقحط الناس حتى أجلى أهل البوادي إلى الشام وكان يقال سنيّات خالد». قلت: هذا لا يعني جلاء كل أهل الحجاز بسبب ذلك القحط الذي ذكر سنة 114هـ ليتسنى لغيرهم أن يحلوا محلهم. فالواضح أن من ذهب إلى الشام هم من لا مال لهم، لأن حماد بن عطيل الليثي يؤكّد عودته من بعد ذهابه إلى لشام، كما أن المصادر تذكر في سنة 145هـ وجودا قويا للقبائل الحجازية حين وقفت «جهينة ومزينة وسليم وبنو بكر وأسلم وغفار» إلى جانب ذي النفس الزكية لما ظهر على أبي جعفر المنصور، كما أنه في سنة 161هـ أخذ الخليفة العباسي المهدي 500 رجل من الأنصار حرسًا له. [ ينظر تاريخ الطبري، ج 7 - 581؛ ج 8 - 238]. وهذا يدل على أن تلك القبائل الحجازية لم يتأثر تعدادها بالقحط ولا بالفتوحات التي انتهى أعظمها في عهد الدولة الأموية التي سقطت في 132هـ.
وفي دور آل الزبير في مساعدة الناس في سنيات خالد التي بدأت سنة 114هـ . قال حماد بن عطيل بن فضالة بن رداد الليثي: «فحضرت عبد الله بن عروة بن الزبير في أمواله بالفرع: يدخل الناس في مربد تمره طرفي النهار: غدوة فيتغدون، وعشية فيتعشون، فما زال كذلك حتى أحيا الناس. [جمهرة نسب قريش: ابن بكار، 1 - 191]. ويروي حماد بن عطيل بن فضالة الليثي «قال: جلونا مرة إلى الشام في جهد أصاب الناس، ثم رجعنا فوجدنا عبد الله بن عروة قد هدم الثلم وكسر الوشع، وأمرج الناس في أموال أبيه، وجنى لهم فأطعمهم. [جمهرة نسب قريش: ابن بكار، 1 - 191]. وعبد الله بن عروة هو صاحب ابن وجزة الذي كان يعطيه، ويأخذ له في كل عام من الزبيريين من جداد نخلهم بالفرع ستين وسقًا [جمهرة نسب قريش: ابن بكار، 1 - 191]. و»قيل لعامر بن عبد الله (بن الزبير): أخطأ الجراد نخلك وأصاب الناس. فقال: أشهدكم أنها صدقة على المساكين. فقلت له: بالنخل تصدق أم بالثمر؟ قال: لا أراه والله إلا بالنخل». [جمهرة نسب قريش: ابن بكار، 1 - 172].
ومن خلال هذا العرض السريع نلاحظ مشاركة عدد من أبناء المهاجرين والأنصار وأحفادهم في تعمير تلك الأودية والنواحي مما أدّى إلى ازدهارها وتوافد الناس إليها طلبا للرزق خاصة في وقت جذاذ النخيل. كما صاهروا أهل تلك النواحي وكانوا لهم خير معين واندمج بعضهم في تلك الكيانات العشائرية مع محافظتهم على مسمّياتهم. ويتبيّن أن أودية الحجاز وواحاته غنية بالموارد المائية وخاصة العيون والآبار والغيول التي ساهمت في الاستقرار الديمغرافي لأهل تلك النواحي حتى في أشد أوقات المجاعات والقحط.
** **
- د. عبد المحسن بن طما