لاشك أن عميد الأسرة كان في فترة من الفترات الماضية يمثل صمام أمان للعائلة، والمرجع الأكثر تأثيرا ونفوذا في حّل معظم المنازعات والخلافات الأسرية، واحتواء كثير من المشكلات والمناكفات القرابية، ولم شمل الكيان العائلي, أو القبلي بحكمة وبصيرة، فضلاً عن دوره المحوري القيادي في حفظ توازن العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية الأصيلة في سياقها العائلي، ولكن رياح المتغيرات الاجتماعية والتحديات الاقتصادية أضعفت دور عميد الأسرة وكبيرهم، وتراجعت قيمته فيما يتعلق بالسلطة, والمهابة، والطاعة والاستشارة، وبالتالي أصبح في زاوية (التهميش الاجتماعي)..!!
ففي الماضي كانت الأسرة تضم الزوج والزوجة وأبناءهما المتزوجين وغير المتزوجين الذين يقيمون في منزل واحد, أو في عدة منازل متجاورة ويشتركون في معيشتهم الأسرية وحياتهم الاجتماعية، والسلطة العليا على شؤون العائلة للرجل (الأكبر سناً) الذي يكون مرجعا لأفراد الأسرة في همومها وشؤونها لما يتمتع به كبيرهم وعميدهم من سمات أخلاقية, ومعرفة دينية, وخصائص اجتماعية, تجعله قادراً على ضبط زمام الأمور العائلية بحكمة ووعي وهدوء واتزان, ومع التغيرات الاجتماعية أصبحت الأسرة الصغيرة (النووية) تتكون من الزوج والزوجة, وأبنائهما غير المتزوجين فقط, ومع هذا التغير الاجتماعي في النظام الأسري وبنائه كان كفيلاً أن يفقد كبير الأسرة دوره القيادي المؤثر, وتتراجع مكانته المشورية عند البعض، وتتقلص أهمية وجوده (وظيفياً) في هذا الزمن الذي يشهد تغيراً معيارياً وقيمياً نتيجة تأثير التحولات الاجتماعية وتحدياتها الثقافية والاقتصادية.
ويمكن إعادة هيبة ودور عميد الأسرة وكبير العائلة في ضبط كثير من المشكلات والخلافات الأسرية والمحافظة على عادات وتقاليد وقيم البناء العائلي من خلال الاعتراف بأهمية دوره القيادي إذا كان صاحب خبرة حياتية وتجربة رصينة تتمتع بالمبادئ والقيم والأخلاق والحكمة وملما بالأمور العائلية وشئونها.. وقادرا على احتواء الأزمات والخلافات وضبط توازنها بالرأي والمشورة والحياد والهدوء والحكمة والفكر الرشيد، وكل هذه المعطيات - لا مناص - تجعل لعميد الأسرة هيبة ومرجعية, وهنا ينبغي على أفراد العائلة استشعار قيمته وخبراته التراكمية ومعاصرته ظروف الحياة وإرهاصاتها, وتعميق روح الاحترام والإجلال, وجعله محل قبول وثقة تؤهله أن يكون مرجعا لأفراد الأسرة لا أن يفقد مركزيته في عصر التغير الاجتماعي والثقافي الذي تقلص فيه دور الأسرة (وظيفياً) وأصبح وحدة العمل داخل دهاليزها فردية وليست عائلة..!!