فضل بن سعد البوعينين
يُعَدُّ قطاع التعدين من أهم القطاعات الاقتصادية الواعدة في المملكة، عطفًا على الثروات المتاحة من المعادن، والتي تقدر قيمتها بـ 1.3 تريليون دولار، ومنها النحاس والفوسفات والذهب وخام الحديد والمعادن الأرضية النادرة، إضافة إلى ما يتمتع به القطاع من فرص النمو، والتدفقات الاستثمارية الباحثة عن مراكز التعدين الناشئة المولدة للفرصة النوعية.
ثروات المملكة التعدينية، وفرص النمو الكبيرة فيها، والتي يؤكدها اكتشاف أكثر من 5300 موقع تعديني، يؤهلها لتلبية الطلب العالمي المستقبلي المتزايد على المعادن، ولعب دور رئيس ضمن الدول الأكبر المنتجة عالميًا، وبخاصة في إنتاج الفوسفات. التوسع في سلاسل القيمة الجديدة من «اليورانيوم» و»التيتانيوم» والعناصر الأرضية النادرة كـ»النيوبيوم» و»التنتالوم» سيضيف للمملكة بعدًا إستراتيجيًا عالميًا، وقوة إنتاجية مؤثرة في أهم الصناعات الإستراتيجية.
هناك ميزة تنافسية لقطاع التعدين في المملكة مرتبطة باتساع النطاق الجغرافي لعمليات التعدين، وتنوعها، ما يحد من المخاطر المستقبلية؛ إضافة إلى استكمال البنى التحتية، وتوفير الخدمات اللوجستية الرابطة لمواقع التعدين بمناطق الإنتاج، والموانئ البحرية.
سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وصف الثروات المعدنية على أنها: «نفط آخر غير مستغل» حيث «لم يستغل منها إلا 3 أو 5 %، واستغلال بشكل غير صحيح في وقت كان من المفترض والمخطط له أن يمثل قطاع المعادن الركيزة الثالثة للصناعة السعودية إلى جانب النفط والغاز والبتروكيماويات».
ولأهمية القطاع الاستثنائية ركزت رؤية 2030 على تنميته، وجعله من ركائز إستراتيجية تنويع مصادر الاقتصاد الرئيسة، وليكون الركيزة الثالثة لصناعة السعودية ومن أهم الأدوات المحققة لهدف تنويع مصادر الدخل مستقبلاً.
إقرار الإستراتيجية الشاملة لقطاع التعدين كانت بداية المرحلة العملية لاستثمار المقومات التعدينية المتاحة، وتحقيق أهداف الرؤية، ورفع مساهمة القطاع في الناتج الإجمالي المحلي، وزيادة إيرادات الدولة، وخلق الوظائف والفرص الاستثمارية وتعظيم القيمة المضافة.
إطلاق مؤتمر عالمي للتعدين، كان ضمن مخرجات الإستراتيجية الشاملة للقطاع، إلا أن مرحلة التنفيذ تحتاج إلى كثير من العمل لتعزيز قطاعي الصناعة والتعدين وفق رؤية إستراتيجية شاملة، وممكنات محققة للأهداف، وإزالة التحديات وتحسين البيئة التشريعية والتنظيمية واستكمال متطلباتها العالمية، وتحديد المناطق التعدينية وتجهيزها، ورفع تنافسية المملكة، بما فيها تنافسية القطاع الصناعي والتعديني عمومًا، وجعلهما أكثر جاذبية للاستثمار المحلي والأجنبي. إقرار نظام الاستثمار التعديني الجديد، واستكمال التشريعات، إضافة إلى توسيع المسح الجيولوجي بهدف استكشاف الثروات الطبيعية، وما نتج عنه من وضع أطلس بالمواقع التعدينية المتاحة في المملكة، من الخطوات التجهيزية المشكلة لقاعدة الانطلاقة وبدء المرحلة التنفيذية للقطاع، والداعمة لإطلاق المؤتمر العالمي.
من المتوقع أن يتحول «مؤتمر التعدين الدولي» المنعقد تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، إلى منصة عالمية لصناعة التعدين، تسهم في تشكيل مستقبل التعدين وربط صانعي السياسات بالمستثمرين وقادة الأعمال، لتبادل الخبرات والتجارب حول قطاع الثروة المعدنية، وأن يؤسس لشراكات عالمية طويلة المدى، وأن يسهم في تحفيز التدفقات الاستثمارية الأجنبية، خاصة وأنه الأول من نوعه المهتم بقطاع التعدين في الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى وأفريقيا.
مشاركة أكثر من 2000 شخص من أكثر من 100 دولة، وأكثر من 150 من كبار المستثمرين العالميين، و100 متحدث دولي بارز، بينهم عدد من الوزراء المعنيين بقطاع التعدين، وقادة الاستثمار التعديني على مستوى العالم، القطاعات المالية، ورؤساء كبرى شركات التعدين العالمية تعطي المؤتمر ثقلاً عالميًا واستثماريًا مؤثرًا في المنطقة والعالم أجمع، وأحسب أن مثل هذه المؤتمرات الكبرى تؤسس لمنصات عالمية محققة لتنمية القطاعات المستهدفه وتحفيز الاستثمارات وترويج الفرص النوعية المنبثقة عن رؤية 2030. فالمملكة في أمس الحاجة لتكثيف تواصلها مع العالم الخارجي من الداخل، وبما يسمح بتعزيز فرص التنمية والتحول الاقتصادي ونقل الصورة الحضارية والتنموية التي تشكلت خلال الفترة الماضية، ويسهم في تعزيز المكاسب الاقتصادية وتغيير الصورة النمطية عنها لدى الدول الغربية.