عبده الأسمري
منذ أن اعتنقت فعل «الكتابة» ظللت سائراً بين «اتجاهين» من الهوية والحرية ومحاطاً بخطوط حمراء لا أستطيع تجاوزها فاستمررت مسكوناً بحب الركض في مساحات خضراء وإن وجدت «منبهات» و»محظورات» حاولت أن أتوقف رغم أن أنفاسي طويلة وتنتظر المزيد من التنفيس والكثير من البوح. وهذا ما تفرضه مهمتي كوني «سفيراً» متوجاً بصلاحيات «القلم».
في ظل سنوات من الكتابة في صفحات الرأي ووجودي حالياً «ثاوياً» في ساحة «الجزيرة» العملاقة ظللت خاضعاً لآراء أعتز بها وتعلمت منها من «رئيس رؤساء التحرير» الأستاذ خالد المالك وأقلامه «الملونة» الأخضر والأحمر والأسود، حين يستخدم الأول للإجازة والثاني للمنع والثالث للتحذير، فظللت أجهز أفكاري وأنقيها من إيحاءات «الحذر» وأصفيها من «إيماءات» الخطر كيف لا؟ وأنا مع كاتب خبير يقرأ ما بين سطور المقال واتجاهات «الكلمة» قبل أن تحط رحالها في «معنى» صريح أو مبطن.
منذ العام 2016 وحتى اليوم تم منع العديد من المقالات بحكمة رئيسنا الخبير وحنكة معلمنا القدير، وكنت أرسل بعضها فجراً ثم أظل مرابطاً أمام «بريدي» الإليكتروني متصفحاً «القول» الفصل فيها من بريد أستاذنا خالد المالك لأجد رسالة بريدية تحمل عبارة واضحة وصريحة وهي «الأخ عبده المقال غير صالح للنشر»، حينها أتحول مباشرة إلى «الجانب الآمن» فاستنهض عقلي للكتابة في «شأن» اجتماعي بحت تظل فيها «الرقابة» ضميراً متصلاً بعيداً عن «مقص» الرقيب أو «رفض» الرئيس.
تعلمت في ساحات «الكتابة» أن فارس القلم يجب أن يجيد الكر والفر وأن يتعلم أن هنالك مدّاً للكتابة وجزرًا للرقابة، وأن الشواطئ الآمنة تقتضي مزيداً من التروي وتحتم الكثير من الاستعداد، وأن الدفاع بالكلمة أمر مرهون بالبرهان، وأن الهجوم بالمفردة فعل «ممنوع» من المنطق لأننا في «ساحة» رأي محايد وفي مساحة «قول» عادل. وتيقنت أن الموضوعية «فيصل» يبدد كل غيوم «الضبابية» التي تفرزها الأخطاء وتكرسها المخالفات.
على مدى سنوات عايشت تلك الخطوط الحمراء منذ أن كنت أكتب مقال «رأي» مختصر في إحدى الصحف في بداياتي بدون «اسم»، وكنت حينها محاطاً بأسوار عالية ومحصوراً في منطقة «ضيقة» منعاً من الوقوع في المحظور، وكي أكون محقاً فقد اتسعت تلك «المساحة بعدها بسنوات» فأعطت قلمي وأقلام غيري «فسحة» من الكتابة عاماً تلو آخر، فأيقنت أن الحرية مفهوم مرتبط بالتطور وأن الهوية أساس أول ومعنى أصيل لكل مسارات «الكلمة» وشتى ميادين «القلم».
من أسس فخري وأصول اعتزازي أنني ومنذ أن بدأت نسج أول خيوط كتاباتي وضعت الدين الحنيف خطاً «أحمر» لا يُمس أبداً لأنه «المنطلق» الذي أستمد منه السداد و«المنهج» الذي أستسقي منه التوفيق.. لذا ظللت وسأبقى معتزاً بديني الذي تعلمت من أعماقه وحتى آفاقه كل معاني «الأمانة» وشتى سبل «الإخلاص» وجميع أسس «النزاهة»، وهو «التشريع» الذي يجعلني أقول «الحق» وأوظف «الصدق» وأكرِّس «العدل» في كتاباتي سواء المنشور منها أو المحظور..
وتعلمت أن قيادتي هي تلك «القوة» التي منحتني «الصلاحية» وأعطتني «المساحة» في أن أعبر عن «هموم» الناس وأن أرصد «متاعب» المواطنين وأن أكون «مسؤولاً» في إطار مهمتي لأنقل «المعاناة» بجهر الكتابة وأرصد «الأخطاء» بمجهر الفكر وأعطي الحلول بإعلان «الرأي»..
في ميادين الكتابة عايشت الكثير من المواقف والتجارب وتأكدت أن «المسؤول» النزيه يبحث عن النقد البناء، وأن «القيادي» المخالف يهرب من الحقيقة المعلنة.. وعلمت أن المقالات ستظل «اختصاراً» للعديد من ملفات «التحقيق» و«انتصاراً» للكثير من اتجاهات «التدقيق».
على مر سنوات طويلة رأيت أن «الناس» و»العامة» يرتوون من «مشارب» التوجيه ويطلبون «المزيد»، في حين أن بعض «المسؤولين» و«الخاصة» يتهربون من «اتجاهات» الرأي ويرغبون «التغافل» لذا فإن الكتابة «فعل» مبني على «نهاية النتائج» و«اسم» مقام على «ردات الأفعال».
في تفاصيل الكتابة تعلمت أن للقلم «مهمة» عظيمة وأن للكلمة «دورًا» استثنائيًا وأن للعبارة «نتيجة» حتمية وأن للمقالة ضرورة إنسانية ومنطلقات وطنية وأسسًا مهنية يجب أن يكون فيها «الكاتب» وجهاً للحق وواجهة للأنصاف في توظيف «الموضوعية» ومصادرة «الذاتية» وأن «الرقابة» مفهوم متدرج وفق الزمن مرتبط بالحرية المقننة ومترابط مع الهوية الواجبة.