منصور ماجد الذيابي
نشرت بعض وسائل الإعلام قبل أيام بيانا لوكيل إيران في لبنان, أمين ما يسمّى بحزب الله اللبناني زعم فيه أن حزبه ليس إرهابيا وإنما هو حزب مقاوم ومدافع ووطني وإنساني وشريف يدافع عن وطنه وأمّته, وعن المقدّسات التي لا نعلم إن كانت في إيران أو لبنان أو في اليمن وسوريا والعراق. ولذلك أودّ فقط أن أردّ على محاولته تظليل الرّأي العام العربي بإضفاء مجموعة من الصّفات الحميدة التي لم تلق قبولا ولا تصديقا وتأييدا عند اللبنانيين أنفسهم وحتى عند رئيس حكومتهم نجيب ميقاتي الذي استنكر مثل هذه التصريحات، وقال إنها لا تمثل موقف الحكومة اللبنانية ولا تمثل الغالبية من اللبنانيين وإنما تمثل وجهة نظر نصر الله وحزب الله. فاللبنانيون يعلمون جيدا بأن قرارات وتعليمات الحزب تأتي من طهران كما يعلمون حقيقة المواد التي انفجرت في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت في أغسطس آب من عام 2020م , ويدركون النوايا من محاولة الحزب ابعاد القاضي طارق البيطار عن التحقيق في كشف ملابسات الانفجار الذي هزّ العاصمة بيروت وأحدث دمارا واسعا, وأودى بحياة عدد كبير من الأبرياء، كما أوضحت ذلك سابقا في مقال بعنوان «تحالف 8 آذار والخوف من البيطار».
فالغريب في هذا البيان الحزبي هو توقيت ومناسبة البيان الذي جاء إحياء لذكرى مقتل القائد العسكري لفيلق القدس قاسم سليماني الذي لقي مصرعه بعد استهدافه بصاروخ أمريكي في محيط مطار بغداد قبل نحو عامين باعتبار أنه كان أحد أبرز المطلوبين في قائمة الإرهاب الأمريكية وأحد الذين نفّذوا عمليات إرهابية ضد المدنيين الأبرياء في الأحواز وسوريا والعراق. تلك كانت المناسبة التي ارتكز عليها حسن لإطلاق تصريحاته الهجومية ضد المملكة العربية السعودية ودول الخليج عموما.
ونحن شعوب المنطقة الخليجية لا نستغرب مثل هذه التصريحات الغوغائية والنّغمات القومية الوطنية طالما أن المصرّح بها ينتمي أيديولوجياً وسياسياً وفكرياً وعاطفياً وعسكرياً ومذهبياً للنظام الجمهوري في إيران. فبأي دليل يزعم حسن أن لديه حساً وطنياً وشرفاً عروبياً تجاه وطنه لبنان وتجاه الدول العربية الشقيقة؟!
وأمّا ما يتعلق بوصفه لحزبه بأنه حزب مدافع ومقاوم عن أمّته وشعبه, فإنني أتساءل أيضاً وأقول: أين كان هذا المدافع الغيور عندما دكّت الطائرات الحربية الإسرائيلية مقرّات الحزب وقواعده ومستودعاته في الثاني عشر من تموز عام 2006 عندما قال ابن الضاحية الشرقية بعد انتهاء الحرب: «لو كنت أعلم أن إسرائيل سوف تقصف بيروت والجنوب اللبناني بوابل من القذائف والصواريخ لما أصدرتُ أوامري باعتقال الجنديين الإسرائيليين», مع بدء عملية الوعد الصادق التي شنّها حزب المقاومة والممانعة في الجنوب اللبناني على الحدود مع إسرائيل كما أوضحت في مقال سابق بعنوان «محور المقاومة والممانعة».
فأين كان يختبئ المقاوم المدافع على وقع القصف الإسرائيلي على بلاده وشعبه في ذلك الوقت؟! وهل كانت عملية الوعد الصادق صادقة في الصّمود أمام العدو, أم أنّها تلقّت ضربات موجعة وانسحبت تحت وابل القذائف الإسرائيلية؟! فنحن لم نشاهد لمحور المقاومة هذا أي تأثير إيجابي في المشهد العربي عموماً سوى بعض الجنود الذين يجوبون شوارع لبنان من حين إلى حين ويرفعون أعلاما صفراء ويقولون: «هيهات منّا الذّلة», إضافة لما رأيناه مؤخراً من أعلام صفراء في اليمن, الأمر الذي يثبت تورّط الحزب في دعم الأعمال الإرهابية والقرصنة البحرية لعناصر يمنية حوثية ارتكبت جرائم حرب ضد المدنيين الأبرياء في عدن وتعز ومأرب وغيرها, وضد الأعيان المدنية جنوب المملكة العربية السعودية.
وبالنسبة لتجميل الحزب بصفات مثل «إنساني وشريف» على حدّ قوله في البيان, فإنني أتساءل وأقول: كيف يمكن لمن يصدّر شحنات المخدّرات أن يكون إنسانياً وشريفاً غيوراً على شباب أمّته العربية المسلمة؟! فهذه الصفات والشعارات لم تعد تنطلي على شعوب المنطقة العربية، ذلك أن الوكيل اللبناني حسن نصر الله، يظهر فقط على شاشات التلفزة بين الفينة والأخرى لأجل أن يحقن متابعيه ومناصريه وعناصره بجرعة مهدّئة من شعارات النصر والمقاومة والعزّة والكرامة. فأي نصر هذا!, وأيّ عزّة وكرامة وسيادة؟!, وهو القائد التّابع المتابع لتعليمات نظام الملالي في إيران, والمصرّح بالبيانات المظلّلة في لبنان، حيث يلهو البسطاء ويطربون للشعارات الفضفاضة والمصطلحات الخشبية؟!
أمّا محاولته النّيل من سمعة المملكة العربية السعودية, قبلة المسلمين, وقلب العالم الإسلامي, فهيهات له ولمن ولّاه أن ينال من دولة سعودية تتمتع بعلاقات قوية مع كل دول العالم، وتحظى القيادة فيها بتقدير كل الأنظمة والشعوب والمنظمات الإسلامية والإنسانية والاقتصادية إقليمياً وعالمياً. فكل دول العالم تعلم جيداً زيف هذه المزاعم المفبركة كما يعلم الأحرار في كل أنحاء العالم أن حسن نصر الله يرى علاقات بلاده مع الأشقّاء العرب إلا من خلال منظار قاسم سليماني, وهو المنظار الذي استخدمه شربل وهبة وجورج قرداحي، وبقية عناصر الحزب وعناصر محور المقاومة والممانعة.
كما أن أمين حزب الله لا يجيد لغة الدبلوماسية مع الآخرين, فهو لا يفهم سوى لغة العنف والاغتيالات والتفجيرات والهجوم الإعلامي ليس على دول الجوار العربي فحسب, وإنما على كثير من دول العالم التي صنّفت حزب الله كمنظمة إرهابية لا تعترف بالقانون الدّولي ولا بقرارات الشرعية الدولية. وكيف لوكيل إيران أن يمتلك الجرأة والشجاعة ويدلي بتصريح إعلامي ينسجم مع وحدة الصّف العربي, ويتّفق مع أصول العلاقات الدبلوماسية العربية أو على الأقل البقاء على الحياد والنّأي بالنفس عن كل ما يدلّ على تبعيّته ودورانه في فلك إيران؟!