أ.د.عثمان بن صالح العامر
ينبثق عن سؤال (النحن) في الجذر التكويني لـ«الذات المحتمعية» وسط هذا الجزء من العالم الذي يموج مداً وجزراً، أسئلة «الهوية الكبرى» الثقافية الفكرية منها والاقتصادية والسياسية والاجتماعية و...، والإجابة عنها وسبر أغوارها، ومطارحة هذا التساؤل العريض ذي الصيرورة التاريخية والتشعب والتشظي المعرفي هي همّ الباحثين الأكاديميين والمتخصصين الاجتماعيين والمهتمين الوطنيين سواء أكانت هذه المطارحات والمكاشفات في مؤتمراتهم العلمية وندواتهم المحلية وقاعات درسهم الجامعية ومنتدياتهم المختلفة وجلساتهم الخاصة، أو من خلال برامجهم الجماهيرية الصادمة للمجتمع!! ولا يعني هذا أن هذه الأسئلة الكبرى لا تهم إلا طبقة نخبوية في المجتمع، بل هي في اعتقادي الشخصي من أبرز الإشكاليات المجتمعية خاصة الخليجية منها وعلى وجه الخصوص نحن في المملكة العربية السعودية.
والاهتمام بهذه الإشكالية يمتد في تصوري من أعلى مستويات الفكر لدى المنظرين وصناع القرار إلى أعمق وأبسط التصرفات في الحياة اليومية ليشكل نسقاً ثقافياً عاماً تتخلل دراساته جميع الزوايا والمحاور ليس فقط من أجل التشخيص وعلاماته، أو التداعي وتفسيراته، أو النتائج وما تدل عليه من تحديات أو المخاطر المحتملة ذات المساس والأثر المباشر على السلام المجتمعي والأمن الاجتماعي وإنما أيضاً بتنظيم تلك الحالة من العجز التي يمكن أن تتلبس المجتمع فتعيق تفاعله مع ذاته وتعرقل جهود التطوير والترقي الوطني - التي يتطلع لها ولاة الأمر حسب ما هو متضمن في أدبيات رؤية المملكة 2030، وينتظرها عامة الشعب فضلاً عن النخب والخاصة الذين يدركون معطيات الواقع وتبدلاته التي لا تخفى جراء ما ينعت في قواميس الساسة وكتابات المثقفين بالعولمة المصاحبة للثورة التقنية المذهلة.
ومنشأ هذه الإشكالية المعقدة: أنه لم يتوافق مع الطفرات الاقتصادية التي كانت وما زالت ولله الحمد والمنة تمر ببلادنا ونتقلب في نعيمها بتكوين ثقافي، اجتماعي شامل وكامل ومتوازن ينقلنا من الظاهر إلى الباطن، ومن التملك للكينونية الحقيقية التي تجعل الـ «أنا» لدينا متطوراً بشكل تدريجي عقلي ناضج.
إن صياغة التعميم ليست واردة هنا لا من قريب ولا بعيد، ولكن وجود مجموعة مؤثرة ولو كانت محدودة خارجة عن السياق الصحيح لـ «النحن» يدل على أننا أمام إشكالية يجب مطارحتها بكل شفافية ومصداقية ووضوح فهي ككرة الثلج تكبر وهي تتدحرج من القمة للقاع.
لقد عكست تعاملات شريحة من أبناء المجتمع السعودي مع وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال أننا بالفعل أمام معضلة حقيقية في صيرورتنا الوطنية.. وقصص وحكايات العنصرية أياً كان مبعثها هي جانب آخر يكشف عن عجز مناهجنا عن تطوير وعينا الحقيقي بذواتنا.. والشهادات المضروبة الصادرة عن الجامعات الوهمية الناكبة والمنكوبة.. والمراشقات الكلامية والملاسنات العلنية.. والبحث عن المخفي من حياة الناس الذي أمر الله عزّ وجل بستره وعدم اختراق سياجه. والفرح والشماتة بمصيبة الآخر أياً كان.. والشك والريبة والتشكيك الجازم بالتوجيهات الاحترازية الوقائية إزاء جائحة كورونا العالمية الخطرة.. وبذر جذور الخوف من التطعيمات ونشر ثقافته بين الناس.. كل هذا وغيره كثير صور تشي بأننا مجتمع على حافة أزمة في الـ«نحن» إذا لم تكن لنا برامج توعوية مدروسة.. وتذكير بقيمنا ومنطلقاتنا العقدية والثقافية المستندة على ركائز تكويننا الوطني.. وإعادة نظر واعية وصادقة في علاقاتنا بدوائر انتمائنا المختلفة والمتعددة الداخلية منها والخارجية، الشعبي منها والرسمي.. هذا وذاك جهد ضخم يحتاج إلى مشاركة صادقة مخلصة من كل الأطراف المعنية أفراداً ومؤسسات في تعاون يؤسس لبرامج الذوبان في الوطن الذي يستحق التضحية بالروح من أجله وفي سبيل أمنه وعزته ورقيه وتنميته ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.