اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
لا يشك عاقل مسلم أن دين الإسلام هو دين العدل والمساواة، وفيه الحل لجميع مشكلات الحياة، وكل ما يحتاج إليه الإنسان من أمور دينه ودنياه، والذي يبتغي ذلك من تشريع البشر ويترك شريعة رب البشر يعتبر ظالماً لنفسه ومتجنيا على أبناء جنسه، ولا يعرف ما هو الفرق بين يومه وغده وأمسه، وذلك لأن الشريعة الإسلامية تهدي إلى سواء السبيل، وفيها الدواء الذي يُشفي الغليل ويداوي كل عليل.
وعلى هذا الأساس فإن العمل وفقاً لمصادر التشريع الإسلامي عند إصدار الأحكام، واتباع مقاصد الشرع للمحافظة على حقوق ومصالح الأنام، يُعد ذلك الأساس والمنطلق لمحاربة الظلم والاستبداد وإصلاح الفساد والدفاع عن حقوق الإنسان الصحيحة وحريته المنضبطة بضوابط الدين وتعليمات رب العالمين التي على ضوئها تصدر الأحكام العادلة ويتحدد النظام السياسي الذي يميز بين الأعمال الفاضلة والممارسات الباطلة.
وعدل الحاكم وطاعة المحكوم عندما يلتقي ذلك مع مبدأ الشورى ينتج عنها نظام سياسي عادل يتم على أساسه تغليب العام على الخاص، وتماسك المجتمع وانصهاره في بوتقة الدولة، مما يترتب عليه قوة البنيان الاجتماعي والسياسي والتفاف الشعوب حول قادتها على نحو يحقق الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي، وهما مفاتيح التنمية الشاملة والتطور في حياة الشعوب.
والديمقراطية كما يصفها أربابها بأنها سلطة الشعب أوحكم الشعب للشعب اعتماداً على تمثيل الشعب من خلال البرلمانات والوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات وعبر صناديق الاقتراع، بوصف النظام الديمقراطي يقوم على أساس مجموعة من المؤسسات التي تهدف إلى تبادل السلطة بصورة سلمية، بما يكفل الحقوق الفردية والجماعية في ظل سيادة القانون.
وقد نحا دعاة الديمقراطية منحىً انحرف بها عن أهدافها وأخرجها عن مسارها حيث جعلوا منها ديمقراطية ليبرالية ذات أهداف استعمارية كما هو الحال بالنسبة لأمريكا التي حولت الديمقراطية إلى مشروع أمريكي تهدف من ورائه إلى الهيمنة وفرض النمط الديمقراطي الأمريكي على الدول الأخرى ولو بقوة السلاح، متخذة من ذلك مبرراً للتدخل في شؤون الآخرين عن طريق الربط بين مفهوم الديمقراطية وما يُعرف بمنظومة حقوق الإنسان والتدخل الإنساني.
ومهما تباهى دعاة الديمقراطية الأمريكية بها وبلغت أفضل تطبيقاتها وأحسن حالاتها في يوم من الأيام فإن سيئاتها تفسد حسناتها وشرها يطغى على خيرها، فماذا عن ديمقراطية تُحارب الأديان وتمتهن كرامة الإنسان، متخذة من الخداع والنفاق ستاراً، ومن الاحتيال والاستغلال مساراً، ومن الدعاية المغوية والغواية المغرية شعاراً، ويتظاهر الداعون إليها بالعدل والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وهم يدعون إلى الشيء ويفعلون نقيضه.
وإذا كان لكل قمة أهدافها ويمثلها أطرافها فإن الأهداف المعلنة لقمة الديمقراطية التي دعا إليها الرئيس الأمريكي تتمحور حول محاورها الثلاثة المتمثلة في محاربة الاستبداد ومكافحة الفساد وتعزيز الديمقراطية، وهذه الأهداف المحورية والمحاور المرجعية تجمع بين المبررات والذرائع التي بموجبها تحاول أمريكا تحقيق أهدافها المعلنة والمبطنة على حساب استهداف الدول المستبعدة عن المؤتمر.
وتعتبر مواجهة الصين وروسيا من أهم الأهداف التي دفعت الرئيس الأمريكي إلى الدعوة إلى قمة الديمقراطية، علاوة على الأهداف الجيوسياسية والأطماع الاقتصادية وحب الهيمنة، ومن الأهداف المبطنة للقمة صرف الأنظار عن الضرر الذي لحق بسمعة الديمقراطية الأمريكية في الانتخابات الأخيرة، وفي الوقت نفسه محاولة إعادة أمريكا إلى الصدارة لقيادة العالم بعد أن تراجعت هيبتها واهتزت مكانتها في العقود الأخيرة بشكل أفقدها الأهلية المطلوبة للتفرد بقيادة العالم.
ومن الواضح أن الرئيس الأمريكي عند اختيار أعضاء التحالف الجديد حاول التوفيق بين متطلبات الأمن القومي الأمريكي في شكله الواسع وبين قيم الديمقراطية التي يدعو إليها حيث استقر رأيه على تكوين تحالف يوفر للإدارة الأمريكية الإمكانية ويفسح لها المجال للضغط على الدول المستهدفة ومحاربتها اقتصادياً وسياسياً عندما يستدعي الموقف ذلك.
وفي سبيل تحقيق هذه الغاية فإن الإدارات الأمريكية في الماضي هي التي تبنت نظرية الفوضى الخلاقة ومشروع الشرق الأوسط الكبير، وصنعت الإرهاب وتربصت بالدول العربية شراً عن طريق إثارة الفتن وتأجيج الخلافات بين الشعوب والحكومات كما حصل فيما يعرف بالربيع العربي، وها هي الإدارة الأمريكية الجديدة تتبنى مؤامرة جديدة ذات أهداف بعيدة من خلال الدعوة إلى قمة الديمقراطية المزيفة التي اتخذت منها شماعة لبلوغ مآربها وتحقيق أهدافها السياسية ومطامعها الاستعمارية على حساب الدول المغلوبة على أمرها تحت ذرائع الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات تارة، ومكافحة الفساد تارة ثانية ومقاومة الاستبداد تارة ثالثة، ومحاربة الإرهاب تارة رابعة.
وقمة الديمقراطية التي دعا إليها الرئيس الأمريكي أتت في أعقاب الانتخابات الامريكية الأخيرة، وما تخللها من ممارسات مُشينة وتبادل للاتهامات المهينة بين أعضاء الحزبين المتنافسين، الأمر الذي جعل الديمقراطية الأمريكية محلاً للتساؤل، وهوى بسمعتها إلى الحضيض.
ولإنقاذ هذا الموروث الذي فقد مصداقيته تحاول الإدارة الأمريكية الجديدة إعادة المصداقية إليه بعد أن فقدها أمام العالم حيث لم يبقِ من الديمقراطية الأمريكية إلا شعارات ومظاهر شكلية ودعايات إعلامية كشفت حقيقتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة وحادثة اقتحام مبنى الكونجرس.
واستجابة للوعود الانتخابية وفي سبيل إصلاح ما أفسدته الانتخابات الأخيرة تبلورت فكرة قمة الديمقراطية في ذهن الرئيس الأمريكي، وعقد العزم على الدعوة إليها، مصنفاً دول العالم إلى دول ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية، محاولاً صرف الأنظار عن الانتخابات المثيرة للجدل التي أتت به إلى الحكم، ومتجاهلاً أن معرفة النفس وإصلاحها مقدم على معرفة الآخرين وإصلاحهم.
وكان الأولى بهذا الرئيس الاهتمام بإصلاح أسباب ومسببات الأزمة الانتخابية التي عصفت بالولايات المتحدة الأمريكية وجعلت ديمقراطيتها تفقد قيمتها وتصبح مضغة على الألسن ومحلاً لتندر الآخرين، بدلاً من الإيغال في النرجسية الذاتية والانخداع بغرور القوة، معطياً نفسه الحق في الحكم على دول العالم وتصنيفها ديمقراطياً لحاجة في نفسه ومن منطلق الغاية تبرر الوسيلة.