خالد بن حمد المالك
هناك شيء خطير يمر به العراق الشقيق، هذا الشيء أعاق مؤسسات الدولة، وقوض الأمن، وساعد على الفوضى، وحوّل العراق إلى دولة تتحرك في مسارات مجهولة، وإلى شعب لا يعرف ما يخبئه له المستقبل، ومن دولة نفطية وزراعية وصناعية إلى دولة تستجدي القروض والمساعدات، فقد سُرقت الأموال العامة، وسربت إلى الخارج، بفعل فاعلين ممن يتسنم بعضهم مراكز القوى المهيمنة على القرار، وعلى مفاصل الدولة.
* * *
الشيء الخطير الذي أعنيه، ويتحدث عنه العراقيون، هو هذه التنظيمات الإرهابية، والميليشيات التابعة لإيران، وهؤلاء الذين سرقوا أموال الدولة، ويرفضون أي إصلاحات تصب في مصلحة البلاد والمواطنين، وكل من تبنى طرحًا ينقذ العراق من مآسيه هددوا بتصفيته، كما حدث مع رئيس الوزراء الكاظمي.
* * *
في الانتخابات الأخيرة (النزيهة) فاز من فاز وخسر من خسر، وقاد الخاسرون حملاتهم ضد النتائج، واعتبروها مزورة، لأنها لا تستجيب لمطامعهم، ولا تحقق أهدافهم، ولا تمكنهم من الاستيلاء على الحكم، وما زال هذا الموضوع الجدلي هو قضية هؤلاء، رغم أنه استُجيب لطلبهم، وأعيد فرز الأصوات يدويًّا. ورغم أن النتيجة بقيت على ما هي عليه لم يتغير شيء في هذا المشهد ومن موقف هؤلاء.
* * *
الآن يتبنى مقتدى الصدر تشكيل حكومة أغلبية وطنية، سياستها القادمة إلغاء الميليشيات، وحصر السلاح بالدولة، والتصدي للفساد، والبدء ببرنامج واسع للإصلاح.. وهو ما لا يروق لعملاء إيران، ولا يلبي مصالح الخاسرين، ولا ينسجم مع سياسة إيران وتدخلها في العمق العراقي، ضمن تآمرها على العراق، وهو ما جعل العراق على فوهة بركان مدمر منذ انتهاء نظام صدام.
* * *
وهناك حديث في الأوساط العراقية عن ملل الناس من سياسة الأحزاب، وارتمائها في الحضن الفارسي، وتبنيها الإرهاب، واستجابتها لكل ما يصدر عن طهران التي ترى في بغداد إحدى العواصم الإيرانية، ولا يرى هؤلاء بأسًا أو اعتراضًا على هذا الكلام الإيراني الوقح، وكأن العراق بلا تاريخ، بلا امتداد عربي، حتى تتطاول طهران على هويته، وتحاول تقزيمه، وتفريغه من محتواه، وإبقاءه تابعًا ومعتمدًا على إيران.
وإذا ما تم تشكيل الحكومة بالمواصفات والتطلعات التي طرحها مقتدى الصدر فربما تم تغيير صورة العراق، وربما أعاده إلى أمجاده وقوته وحضوره العربي، وأعاد له هيبته ومكانته بين أشقائه (الدول العربية)، فتاريخ العراق أن يكون متبوعًا لا تابعًا، لكن المحسوبين على العراق، ممن يدينون بالولاء والطاعة لإيران، هم من أضاع العراق، وحوّله إلى ما هو عليه الآن.
* * *
التحديات التي سوف يواجهها العراق كثيرة كلما كان هناك عمل إصلاحي، أو توجه نحو إلغاء الطائفية، أو تحرك لاسترداد أموال الدولة المسروقة، أو تفكير بحصر السلاح بمؤسسات الدولة، أو إلغاء الميليشيات، لكن قدر العراق وهو أمام هذه المعوقات أن يتصدى لها، ويواجهها مهما كانت التضحيات، ومهما احتاج ذلك من وقت، وهو بالتأكيد على موعد لتحقيق آماله وتطلعاته، متى كانت هناك إرادة وعزم وتصميم لدى الشرفاء.
* * *
قلوبنا ستظل مع العراق، الأمجاد والتاريخ، ونتطلع إلى أن نراه حرًّا أبيًّا، وخارج ملعب إيران، وبعيدًا عن سياساتها، وخارج لعبة المحاور التي تتبناها طهران، فلا مصلحة للعراق وشعبه في مد اليد إلى العنصر الفارسي الذي يده ملطخة بدماء العراقيين على امتداد التاريخ.