د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
كل دول العالم اتجهت في الفترة الماضية بعد أزمة الرهون العقارية التي انطلقت شراراتها من الولايات المتحدة إلى خفض أسعار الفائدة من أجل زيادة الاقتراض بصورة كبيرة، والقيام بضخ أموال ضخمة لتحفيز الاقتصاد الذي انكمش بسبب الرهون العقارية، اتبعت دول العالم نفس النهج عندما ضربت جائحة كورونا العالم.
ما جعل مؤسسة مورجان ستانلي توقعت أن يرى العالم خطر التضخم الناشئ من عام 2022، وسيكون أعلى من أهداف البنوك المركزية، حيث حدد الاحتياطي الفيدرالي على وجه التحديد هدفه للتضخم عند 2 في المائة، وهو ما يشكل خطراً جديداً على دورة الأعمال، وقد تكون التوسعات المستقبلية أقصر عما كانت عليه من قبل، ما يترك أثرا سليا طويل الأمد على النمو الاقتصادي العالمي.
النقطة الأهم التي تدعم التضخم الاقتصادي هو الارتفاع السريع في الدين العام، فارتفع الدين العالمي من 226 تريليوناً عام 2020 إلى 296 تريليون دولار في نهاية الربع الثاني عام 2021، بارتفاع 28 في المائة مسجلة أكبر وتيرة صعود سنوية منذ الحرب العالمية الثانية، بلغ اقتراض الحكومات نحو 86 تريليوناً، والشركات غير المالية نحو 86 تريليوناً، والقطاع المالي نحو 69 تريليوناً، والأسر 55 تريليون دولار.
فالدين في الولايات المتحدة بمفردها بلغ 25 تريليون دولار لأول مرة وسيواصل تحركه إلى الأعلى حيث تلتزم الولايات المتحدة بالمزيد من المال لإنقاذ جهودها لاحتواء أزمة فيروس كورونا، وتضخم الدين له سجل سيئ حيث إنه يؤدي في الغالب إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف التمويل أكثر تكلفة، وهو ما لا تريده وول ستريت والمستثمرين، ويعني الهروب من الاستثمار في الأسهم نحو الملاذات الآمنة، وفي حال ارتفعت أسعار الفائدة العالمية بأسرع من المتوقع، تعثر النمو، فإن المخاطر سوف تتزايد.
تعامل البنك الاحتياطي مع الديون من خلال فكرة الشراء بمدة أطول كوسيلة للحفاظ على عوائد أقل وإبقاء سعر الفائدة قريبة من الصفر تقريباً، وقد احتلت السعودية بين مجموعة العشرين من حيث الأقل في نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي نهاية 2019 نحو 22.8 في المائة بعد روسيا بـ12.3 في المائة، وسيظل الدين ثابتاً في 2022 عند 938 مليار ريال بنسبة 29.2 في المائة، حيث تتبع السعودية سياسة النمو الصفري في الدين في 2022 ليعزز تحسن نسبة الدين الذي سيبعث على التفاؤل في تداولات أدوات الدين من قبل المستثمرين الذين بدؤوا مع هذه التوجهات بتكثيف حيازاتهم من السندات السعودية، من أجل أن تنعكس ثقة المستثمرين في أدوات الدين السعودية إيجابياً على إعادة التسعير في منحنى العائد لتلك الأدوات.
ففي أعقاب تفشي وباء كورونا، وصل التضخم إلى مستويات تاريخية مخيفة، أصبح الأعلى في الولايات المتحدة منذ أربعة عقود، وكذلك الأمر في منطقة اليورو وغيرها، وهناك توقعات أن ترفع البنوك الفائدة، وتضيق سياسة التيسير النقدي، لكن في الاتحاد الأوربي رغم ان البنك المركزي الأوربي يتوقع أن يكون التضخم مرتفعاً لكنه يرى أنه موجة مؤقتة، ولا يعتقد أن ضغوط الأسعار ستجبر البنوك المركزية على رفع الفائدة، رغم أن المجلس الاحتياطي الفيدرالي يرى أنه ينبغي اعتباراً من مارس 2022 تغيير سياسته النقدية برفع الفائدة.
في عمق هذا المشهد هناك دول انهار اقتصادها بسبب عنتريات سياسية اتخذها زعماؤها، هذا عدا الدول التي تعاني حروبا مثل اليمن وسوريا وليبيا، لكن هناك دول مستقرة لا تعاني حروبا مثل تركيا ولبنان لكن انهار اقتصادها ليس بسبب الجائحة فقط بل بسبب سياسات السياسيين، وحسب الأرقام الرسمية فإن نسب التضخم في تركيا وصلت إلى 36.1 في المائة، لكن الأرقام الناتجة عن معاهدة اقتصادية احتسبت معدل التضخم السنوي لشهر أكتوبر 2-21 عند 82.8 في المائة، بسبب انهيار الليرة التركية التي أشعلتها سياسات الحكومة السياسية والاقتصادية غير التقليدية، حيث فقدت الليرة 44 في المائة في 2021 من قيمتها مقابل الدولار وبلغت مستوى تاريخياً نحو 18.4 ليرة تركية بعدما كان الدولار يساوي 7.4 ليرات تركية في بداية عام 2021.
في ظل ارتفاع معدلات التضخم ارتفع بصورة كبيرة ما سمي بهوس الشراء في الأسواق المالية عبر الاستثمار في أصول توفر ملاذات آمنة كما يعتقدون على الأقل أنها ضرورية في مرحلة حرجة يمر بها الاقتصاد العالمي، إضافة إلى الأصول العقارية والعملات الرقمية وغيرها هروبا من التضخم، على الرغم أن هناك مخاطر من الاستثمار غير المدروس في هذه الأصول ولا سيما في العملات الرقمية التي لا تزال مخاطرها قائمة.