د.عبدالله بن موسى الطاير
تجاوز حسن نصر الله في خطابه الأخير الأدب مع المملكة وقيادتها، بل وتجاوز في وقاحته المستوى المعروف عنه من الوضاعة. ولأنه كرر اتهام المملكة دون سند بهجمات 11 سبتمبر 2001م، فقد رأيت تذكيره ببعض تاريخه وإسهام حزبه المؤكد في تلك الأحداث الإرهابية بالتضامن مع القاعدة.
لقد أدت شهادة أبي القاسم مصباحي، وأفراد آخرين ممن عملوا كمستشارين قانونين للجنة 11 سبتمبر 2001م مثل جانيس إل كيبهارت، وصحفيين استقصائيين موقرين، وخبراء في مجال الاستخبارات، وكبار أعضاء هيئة نيابة سابقين ممن تولوا قضايا الإرهاب في وزارة العدل الأمريكية، والشهود الثقات إلى صدور حكم بإدانة إيران في قضية «هافليش وآخرون ضد أسامة بن لادن وإيران وآخرين». ومما لفت الانتباه فيما أدلت به كيبهارت قولها: «إن حزب الله قدم تسهيلات سفر وتدريب على اختطاف الطائرات تحت رعاية أشهر وأعتى إرهابي مناهض لأمريكا في العالم آنذاك؛ وهو عماد مغنية، الذي لعب دورا أساسيا بوصفه كبير ضباط العمليات في حزب الله».
وفي سياق هذه المحاكمة ظهرت مذكرة مؤرخة في 14 مايو 2001، تؤكد أن إيران وحزب الله كانا مشاركين في خطة القاعدة لتنفيذ هجمة إرهابية وشيكة ضد أمريكا. والمذكرة الإيرانية رسمية وصحيحة؛ موجهة من علي أكبر ناطق نوري إلى مصطفى بوركاناد وتظهر بوضوح معرفة إيران «بهجمة كبرى وشيكة الحدوث»، كما توضح المذكرة علاقة إيران عن طريق عماد مغنية بالقاعدة والهجمة الإرهابية الوشيكة. كما تحذر من «مغبة وقوع عواقب سلبية محتملة بسبب التعاون بين إيران والقاعدة». وأوردت تأكيد المرشد الأعلى للثورة أنه فيما يتعلق بالتعاون مع القاعدة، لا يجب ترك أي أثر قد يكون له عواقب سلبية أو نتائج لا يمكن تداركها، وقال إن [النشاط] يجب أن يقتصر على الأفراد ممن لهم علاقات قائمة بالفعل مع حزب الله ممثلا في عماد مغنية، والقاعدة ممثلة في أيمن الظواهري.
كما وثّق العميل المزدوج علي محمد، أو أبو محمد الأمريكي الذي تبوأ مركزا قياديا متقدما في صفوف القاعدة هذه العلاقة كواحد من الشهود الذين أدلوا بشهاداتهم في المحاكم الأمريكية، وفي شهادته التي أدلى بها في قضية «الولايات المتحدة الأمريكية ضده» قدم بعدا أعمق للعلاقة بين حزب الله والقاعدة. وأقرّ بعلمه ببعض الاتصالات التي كانت تجري بين القاعدة وحزب الله. وأنه قام شخصيا بالترتيبات الأمنية لعقد اجتماع في السودان بين عماد مغنية، وأسامة بن لادن. مضيفا أن حزب الله كان يدرب عناصر القاعدة والجهاد على المتفجرات، وأن إيران استعانت بحزب الله لتوفير المتفجرات.
وخصصت لجنة التحقيق في أحداث 11 سبتمبر 2001م فصلا في تقريرها أطلقت عليه «مساعدة حزب الله وإيران للقاعدة» ورد فيه أن وفدا من كبار عملاء القاعدة ومدربيها سافر في خريف عام 1993 إلى سهل البقاع بلبنان للحصول على المزيد من التدريبات على المتفجرات والاستخبارات وعمليات الأمن، وكان من ضمن الوفد أبو طلحة السوداني المتهم بتمويل هجمات شرق إفريقيا التي استهدفت السفارات الأمريكية عام 1998، وسيف المصري، وسالم المصري، وأبو جعفر المصري، وسيف العدل، وقيل إن ابن لادن أظهر اهتماما خاصا بتعلم كيفية استخدام الحافلات المفخخة على غرار تلك التي أودت بحياة 241 من ضباط البحرية الأمريكية في لبنان عام 1983م.
وتشير تحركات عناصر القاعدة قبل هجمات 11 سبتمبر 2001م إلى سفر بعض الخاطفين الرئيسيين جوا إلى لبنان، حيث كان كبار مسؤولي حزب الله في انتظار وصولهم. وثبت أن عماد مغنية رافق الإرهابيين الرئيسيين في رحلتهم من بيروت إلى إيران. وفي نوفمبر 2000، سافر إلى بيروت خاطفو لرحلة رقم 77، وفي نفس الشهر توجه ثلاثة خاطفين رئيسيين إلى إيران مرورا ببيروت؛ وهم وائل الشهري، ووليد الشهري، وأحمد النعمي، ورافقهم في رحلتهم من بيروت إلى إيران أحد معاوني عماد مغنية.
هذا السرد الموثق هدفه إنعاش ذاكرة حسن نصرالله الذي يعول على إخفاء تعاون حزب الله مع تنظيم القاعدة وشراكته في الهجمات الكبرى، وهو يحاول إخفاء هذه العلاقة تارة تحت ستار التباين الطائفي بين التنظيميين الإرهابيين، وتارة أخرى بمحو كل أثر يدين الحزب، وبخاصة بعد نفوق عماد مغنية، في ظروف لا تخفي ضلوع الحزب في تقديم معلومات عن تحركه للإسرائيليين، كما قدمت معلومات عن تحركات سليماني للأمريكيين ليتم قتله، من أجل طي صفحة ذلك التعاون الشيطاني الذي أثمر أحداث 1 سبتمبر 2001م.