عبد الرحمن بن محمد السدحان
- هناك أطيافٌ متعدّدة من الرّؤَى والعِبَر، ومشاهد متباينةٌ من الفوز والفشل، وما بينهما من فرح وسَقَم، وأُوقنُ الآن وقد رحل سحاب تلك الفترة بشمْسها وظلالها وفرحها وسقمها، أن استعراضَ كل أو بعض ملامح تلك الفترة من حياتي المبكرة في سطور مُبْتسَرة، وأميلُ إلى تقسيم مشوار حياتي إلى فصليْن مهمّيْن: ما قبل رحيلي إلى أمريكا مبْتعثًا من الدولة أيدها الله خلال عقد الستينات ميلاديًا، وما بعد ذلك. كلُّ منهما استنْفَذَ سنينًا من عمري جُهْدًا واجتهادًا!
* * *
- كنتُ قبل الرحيل إلى أمريكا ذا شخْصية غامضةِ الهدف، مضْطربةِ التَّوجُّهات، وحدُهُ عشْقي للكتابة والقراءة كان يلازمني ملازمةَ الظلّ،.. بل كان عشقًا (من أول كلمة) انتشَلتُ من خلاله أشْلاءَ نفسي المشحونة بجراح المكان والزمان مشرّدًا بين تداعيات الطفولة وهمس الفرح القادم من أطياف الغيب!
* * *
- أدْمنتُ القراءة بادئَ الأمر ثم الكتابة بعد ذلك إدمانًا خشيَ معه والدي رحمه الله أن يَعُوقَ نموّي الدراسي. ورحتُ أرمّمَ تلك (الأشلاء) وأنا على مقاعد الدراسة.. وفي حلقات اللّهْو البرِيء مع زملاء الكتاب والقلم!
* * *
- ثم اقترن اسمي بالكلمة المكتوبة في بعض الصحف المحلية عبْر فترة قصيرةٍ من الزمن، وقبل ذلك، كنت أودِع (هواجسي) كراسةَ (الإنشاء)، وأُثَرثر من خلالها بعبارات وتركيبات صياغية أوْحت بها بعض قراءاتي لأئمة الحرف الجميل في ذلك الزمان. كطه حسين والزيات والمنفلوطي رحمهم الله جميعًا.
* * *
- كان ذلك خلال المرحلة الثانوية، وكان مدرس الإنشاء يشيدُ ببعض تلك الحروفِ والمعاني فيطلب مني قراءة بعضٍ من سطوري أمام زملاء الفصل، وأحيانًا (يتلعثم) لساني أمامهم وأنا أجاهد خجلي، أو هو مزيج من الخوف والخجل معًا! لكن الفرصة كانت تغرّد جذلاً في كل شبر من كياني!
* * *
- أما الرحلة الدراسية إلى أمريكا، فقد كانت (ملحمةً) وجْدانيةً تتصدّرها الرغبةُ العارمة في اكتشاف العالم الذي كنت أحلّق في سمائه، وأدركتُ عندئذ أنني كنت مقبلاً على (عالم جديد) من الدراما الحياتية المتعدّدة الأطياف والأشكال!
* * *
- هنا فقط، بدأتُ ولأول مرة، أدركُ أنني مقبلٌ على مرحلة جديدة في حياتي تسيّرها التجربة القادمة، وتكيّفها ملامحُ البيئة التي يقودني إليها (مكوكُ) الفرح!
* * *
- وقد حمدتُ الله كثيرًا على ما أُلْتُ إليه نفسًا وإحساسًا، رغم جهلي بالتجربة القادمة: أرضًا وثقافةً وإنسانًا، وهنا فقط، (تَصالحتُ) مع نفسي المضطربة (بدراما) التجربة الجديدة، وكان من أمري ما كان.. جهدًا وجهادًا وحماسًا لمعرفة العالم الجديد الذي سيستضيفني خمس سنوات.. وقد تزيد.
* * *
- ثم عقدتُ مع نفسي (عهدًا) ونحن نهبط في أرض العالم الجديد بمدينة لوس أنجلوس أن أبذل ما في وسعي لبلوغ ما جئتُ من أجله استيعابًا ونجاحًا متوكّلاً على الله، ثم على ثقة بلادي وأهلي بي لبلوغ المراد، وأحمد الله الذي لم يخيّبْ لي رجاءً ولا عزْمًا حتى بلغْتُ نهاية مشوار العمر بنجاح!