عبدالمحسن بن علي المطلق
وإن قلت عشرة وطفولة، فلتلكما نماء داخلي، ما اكتفي بدلالة اللفظتين، وكم من (كلمة) لا تحتاج إلى تفسير، فبها كلامٌ يؤمّ. (أبو عبدالله( رحل بلا أزيز، وكأنه لم يحب أن يدع أثراً يَعمق..كلما يطول مدى دائه عطفاً على ذويه، وكذا أصحابه، أعني به الغالي حماد بن صالح بن عبدالله الحماد..
فهو أهلٌ بـ(حُسن افتقادي)(1)، وكم هو عزيزٌ على القلب أن يمضي عزيز عليه، فلا يفيض بحقه ما يجيش ولو بالقدر الذي يحمله له في بث خلفه تأثراً، لأنه (حقيق)، وبهذا جدير، بخاصّة إن نظرت في نضو(2) ما أملاه رحيله فأبلى الجسد، وهنا: هل مكمن فلسفة وقع الموت؟! وإن لم نسطع لذلك، ألا فلنحاول ولو أن نفلسف أكبر وجوهه (الفقد) عسى إن لم نبلغ الأوّل، قاربنا جادة الآخر..
أن تفقد شخصاً عزيزاً قريباً باسماً، ذا نفسٍ وضاءة مما فيها من صدق النصح.. ويغالبها الأدب الذي ربّى ذاته عليها أن عضّ على تلكم بالنواجذ.. من أن تقتلع رياح الاستخفاف جذرهنّ، أو التقليعات التي أصابت بعضاً، فلا لغة لديه إلا الصياصي، أي (القرون) التي يُمتنع أو يقاوم بها! نوعية للأسف أسفّت بتلك المعالم..
أجل كم تدثّر ابن خالتي المروءات بحق، ما يجعل غيابه يرخي حبائل التشبث بالحياة ما لا يعد المُغري منها ذا حظّ كبير لديك..
ولا شك أننا تمر علينا أحوال كمثل ظرفية هذه، ليصل وزن الحياة في كننا أدنى رفد خائر قواه في ذاتك، ما تتماهى طاقةً لقطع ميدان الحياة..
وذاك أنك إذا التفت يمنة أو يسرة باحثاً عن محاك للمفقود، بعد أن خلا منه الوجود، فما أمسى ذاك بمقامٍ محمود لأهمس- لكم- عن مسببات الزهد بالأشياء فإما لأنها أتت بعد وقتها أو لمضيّ من كان يزيدك.. حين (يشاركك) بها بهجة وسروراً
أُردف الأخيرة بما ذُكر عن أحد الصحب قوله -تسبيباً - لعجلته بالزواج (لا لشيء إلا لتحقيق أُمنية جدته.. أن ترى أولاده قبل أن تمضي لربها..).
و للعلم فهذا دافع بلا شك يجعل المتراخي يشمّر عن ساعديه، ويدع تحقيق بعض المنى التي ترجّح عنده أن تحصيلها أولى من خطوة الزواج..
المهم أولئك الذين تزهر بوجودهم مطالعك لا مطامعك فتتبختر وأنت ماضٍ لما تروم.. هُم نفسهم- أقصد رحيلهم- يجعل من ذاك الذي حصّلت يأتي حين يزف مقدمه وإن كان بتلك القيمة النفيسة التي دفعتها، لكنه باهت الطعم، قليل تذوّقك أقصد تكرار تذوّقه، لأن الطعم تسنّى.. بالفعل.
فعزاؤنا فيه تلك (السيرة) والتي جلبابها الحبابة.. ما قد يكون تسطيري مجروحاً فيه، بحكم ما وطّئت له آنفاً، في المطلعِ لكن يُشدْد على يدي مقالتي صحبٌ ممن حوله يردفون مقالتي لما حمدوه بتلكم..
نفتقدك، ففي شخصك نوعية من الصراحة الجميلة، ليس لأنها مغلّفة بحب، ولأنها مشيّعة ببسمات فقط.. بل لأنها تملى -من قلب- على إطار من الغيرة، أو إن شئت قل الخوف عليك.. ما لا آتي بجديد، إذ قيل (صديقك من صدقك..)، فقد كنت رحمك المولى -تعالى- كذلك، لأن ما يسديه من نصائح يمدّها بلغةٍ فيها من (الصراحة) الجميلة، وعلى هذا تلقى صدىً مواتياً، لأنها صادرة بلا تلبيس، ما نحسبُ أن بذرها طال بغيتها المدى حين نما، أزيدكم من الشعر بيتاً أن بطائنها استغرقها الصفاء.. الذي عهدنا قل من يراعي ذاك ولا مكرمة، ليحاكي جيلاً مضى، وأحدد من تعلمنا على يديه، رحمك ربّ البريات.. عدد النجوم النيرات.
... ... ... ... ...
الهوامش:
(1) من دالية المعرّي.. كذا أوجز لخليله، أُملي منها تروية، لأن القصيدة حملت مضامين سامية، ومعاني راقية.. جلت عن علاقة -صداقة- أثيرة بقلب الشاعر.
(2) مجهد من... أو مهزول (ضعيف).