قال الله تعالى في كتابه الكريم مخاطباً نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم-: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [سورة القلم، الآية (4)]. الله سبحانه وتعالى لم يمدح نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- بماله أو حسبه أو نسبه بل امتدح أخلاقه فالأخلاق هي أساس المجتمع وهي التي تدفع المجتمعات نحو الأمام وبدون القيم الأخلاقية تتأخر المجتمعات وتنتشر الفوضى وتنعدم المبادئ وتنطمس الهوية وهذا يقودنا لتعريف معنى الرقي أو الشخصية الراقية، ما معنى هذه الكلمة وما تأثير السلوك الراقي في المجتمع؟ الرقي بمفهومه البسيط: هو حسن التعامل مع الآخرين، فالشخص اللطيف المؤدب يطلق عليه شخصية راقية وهذا الشخص يكسب احترام ومودة الآخرين ويكون محل ثقتهم، ويشار بالبنان إلى لطفه وسمو أخلاقه، وإذا تكلم لا ينطق إلا بكل ما هو طيب، وإن سأل لا يرد إلا بأفضل الإجابات وألطفها، يحترم الشخص الذي أمامه ويقدره ويطيب لقاؤه وتطيب عشرته، يغمر الآخرين بحسن عشرته ولطيف أخلاقه ولا يذكر إلا بالخير وقد ورد في التاريخ أن دول الشرق الأقصى مثل ماليزيا والفلبين وغيرها لم يدخلها الإسلام عن طريق الغزو ولكن دخلها عن طريق أخلاق التجار المسلمين وسلوكهم لما تميزوا به من الأخلاق الكريمة، وأهمها الصدق والعدل والسماحة والأمانة مما جعلهم يقبلون على اعتناق الإسلام، والأخلاق الحسنة تضاعف لصاحبها الأجر والثواب من الله، والمسلم الخلوق تبلغ درجاته عند الله درجة الصائم الذي لا يفطر، ومن أراد هذه المنزلة العظيمة فعليه بحسن الخلق؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن المؤمنَ لَيُدركُ بحُسن الخُلق درجةَ الصائمِ القائم)). رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.
ويقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: «أَتَدْرُونَ مَا الْـمُفْلِسُ؟». قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» رواه مسلم. وهذه الأدلة تبين أهمية التمسك بالأخلاق في حياة المسلم.
وهناك عناصر تدل على السلوك الراقي ومنها:
1. احترام الآخر وإن كان مختلفاً عنك أو معك.
2. اللطف في التعامل والأدب عند الطلب والشكر عند عمل ما يوجب الشكر.
3. الاعتذار عند الخطأ.
4. اختيار المفردات الراقية عند الحديث.
5. الحديث بصوت منخفض والهدوء عند الحديث والتعامل والنظر بأدب وهدوء.
6. تجنب العصبية والسلوك العدواني.
7. ردود الأفعال المتزنة.
8. الترفع عن التفاهات والسلوكيات الخاطئة.
9. التركيز على الأهداف السامية في الحياة.
10. تجنب الغيبة والنميمة وشغل النفس بالآخرين ومتابعة أخبارهم وأسرارهم.
11. عدم إزعاج الآخرين والإلحاح بالطلب.
12. البشاشة والسماحة وطلاقة الوجه.
13. عدم التدخل في شؤون الآخرين إلا من طلب منك المشورة أو النصيحة.
هذه بعض عناصر السلوك الراقي وفنون الإتيكيت في التعامل مع الآخرين، وهناك تساؤل مطروح ماذا لو طبقنا هذا السلوك في تعاملاتنا وفي مجتمعنا ما هو التأثير الذي سوف يتركه هذا السلوك؟ والإجابة المختصرة هي: سوف ي صبح مجتمعنا مجتمعاً راقياً تسود المحبة والألفة بين أفراده، لن يكون هناك مجال لسوء الظن وكثرة العتب وسوف يصبح مجتمعنا متحضراً هادئاً لطيفاً بجميع أطيافه، يتفرغ أفراده للبناء والعمل والتركيز على المنجزات والانطلاق نحو تحقيق أهدافه بدون عوائق، ولن يكون هناك مشاكل نفسية ناتجة عن إثارة الخلافات، يعيش الناس في هدوء وسكينة، ويركز أفراده على أنفسهم وعلى نجاحاتهم وبذلك يرتقي المجتمع ويتحضر وينافس المجتمعات الأخرى ويحتل المراكز المتقدمة في جميع المجالات.