الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد فضيلة الشيخ الدكتور بدر بن علي بن طامي العتيبي الداعية والباحث الشرعي في أصول السنة وعلومها، أن لزوم الجماعة ، والبعد عن الفرقة من أصول الإسلام العظام، وقواعد الشريعة المهمة، حيث إن الجماعة رحمة والفرقة عذاب، ومن أعظم سمات أهل الحق اتفاقهم واجتماعهم، ومن أبرز علامات أهل الضلال الفرقة والاختلاف، ولذلك يميز أهل السنة بـ: لزوم الجماعة، كما يتميز أهل البدعة بـ: الفرقة، ومن أعظم ما سعى إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-: جمع الكلمة، ووحدة الصف، لأن أمته أمة التوحيد والوحدة، فكما أن أعظم دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت لإفراد الله تعالى بالعبادة وتوحيده، كذلك كان من أعظم ما دعا إليه: الجماعة ونبذ الافتراق، فآخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، ولم يجعل لعربي على عجمي فضلاً إلا بالتقوى، وحذر من كل ما يسبب الفرقة فقال: (لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا تناجشوا، ولا يبع بعضكم على بعض، ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، وكونوا عباد الله إخوانا).
وشدد الدكتور بدر العتيبي في حديثه لـ«الجزيرة»: على أنه لا يظن بمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر يستبيح مفارقة الجماعة، والتهاجر والتدابر، ولكن من المؤسف والمؤلم أن تُكسى تلك الآفات بلباس الشريعة، وبجلالة الدين، فيحصل بين كثير من طلاب العلم من التهاجر والتدابر، والتحذير والتنفير، والتهم والتصنيف تحت شعارات شرعية براقة كالانتصار للدين، والغيرة للسنة، وهجر المبتدع، ونحو ذلك مما هي من الأصول الشرعية، ولكن يُصدم المتابع لكثير من تلك الحوادث المؤلمة من الفرقة والاختلاف أنها لم تكن ساعة من نهار للدين ومخالفته، وإنما هي لحظوظ النفس، ونزغات الهوى، والبغي والظلم، والجرأة على أعراض الناس، ويحسبون أنهم مهتدون، وهذا من مكر الشيطان وتزيينه، مبيناً أن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة في الحث على الجماعة ولزومها، والتحذير من الفرقة وأسبابها كثيرة جداً، شهرتها تغني عن إيرادها في مثل هذا المقام، ودين الإسلام كما أنه دين عبادة وقربة، كذلك هو دين وفاء وصدق وكمالات الصفات البشرية من الصدق والشهامة والرجولة والوفاء، فمهما حصل من أسباب الاختلاف لا ينبغي أن تهدم الكمالات الرجولية، والصفات المرضية من الشهامة والوفاء ولعل قصة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع المطعم بن عدي -وكان مشركاً- لما أدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- في جواره حين طاف بالبيت، ودافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحماه، تدور الأيام والليالي، ويموت المطعم بن عدي على دينه، ويأتي يوم بدر العظيم، ونصر الله للمؤمنين، ويكون هناك أسرى من المشركين بيد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم لم يكن في نفس النبي -صلى الله عليه وسلم - الأبية الوفية الرجولية إلا ما يذكره من صنيع المطعم بن عدي فقال: (لو كان المطعم بن عدي حياً لتركت له هؤلاء) أي فككت الأسرى إكراما له، ووفاء لجميله، هذا صنيع نبي الرحمة مع مشرك يخالفه في دينه، فكيف بكثير من الجهال، وأهل البغي الظلم مع إخوانهم مما عاشروهم وصحبوهم في الحضر والسفر بمجرد أدنى خلاف يهدمون كل فضيلة، وينسون كل جميلة، والله المستعان.
ومضى الدكتور بدر العتيبي في حديثه قائلاً: إنه لمن الواجب على من راقب الله تعالى أن لا يُستخف عقله، وتزل قدمه، وأن لا يثق في مصداقية كثير من الصراعات التي يراها في الميدان اليوم، فليست كله لله، وإنما الكثير منها إنما هي من دوافع الظلم والبغي والعدوان، وضعف الرجولة والوفاء، وإن كسوها بلباس الدين والغيرة، وليذكر المسلم قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)، ولا يستهين بأمر عظّمه الله تعالى فقال: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) وليذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من رمى مسلما بشيء يريد شينه به حبسه الله في جسر في جهنم حتى يخرج مما قال) رواه أبو داود، والله موعد الجميع في يوم يخيب فيه من حمل ظلما، الله توفنا إليك غير ضالين ولا مضلين، وفي عفو وعافية من حقوق الخلق.