في مقالة في صحيفة عرب نيوز في 30 مايو 2018، كان الأمير الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عياف أول من لفت الانتباه إلى تعريف نمط عمران الرياض بـ «السلماني». كما أكد الأمير ابن عياف بصورة مقنعة أنه في الوقت الذي كان فيه الملك سلمان بن عبد العزيز مسئولاً عن منطقة الرياض، في البداية كنائب لأمير المنطقة من 1954 إلى 1955، ثم أميراً لها من 1963 حتى 2011، عمل على تحويل الرياض بلا شك إلى مدينة عالمية معاصرة مع مراعاة الحفاظ على القيم الاجتماعية والثقافية الأصيلة. وقد تمكن من تحقيق ذلك الهدف من خلال التطبيق التدريجي لرؤيته لمستقبل حضري ربَّما كان مخالفًا للنَّمط الحديث المحبَّذ آنذاك، واستبدلها بأخرى لها صلاحية شاملة أكبر ليس فقط في الانتماء لتاريخ وتراث الرياض ولكن للمملكة ككل أيضًا.
كانت واحدة من أولى هذه الخطوات اختيار كونستانتينوس دوكسيادس لتصميم المخطَّط الشامل لمدينة الرياض في عام 1968. وعلى الرغم من أن المخطِّط اليوناني قد تعرض لانتقادات منذ ذلك الحين لتقليله من أهمية أنماط التنمية، وإثارة المضاربة العقارية، واستخدام التخطيط الشَّبكي الذي شجع على زيادة الفلل الخاصة الكبيرة والأحياء المنفصلة، فقد وضع دوكسيادس سابقة مهمة تتمثل في احترام الحدود الغربية لوادي حنيفة مما مهد الطريق لمجمل التنمية البيئية التي تلت ذلك. فبدون اتخاذ تلك الخطوة الجريئة الأولى، كان من الصعب تخيل أن جميع المشاريع المستقبلية، مثل مشروع إعادة تأهيل وادي حنيفة، أو مشروع إنقاذ بستان نخيل ليصبح متنزه سلام، أو إعادة تأهيل وادي السلي، أو حدائق الملك سلمان، كانت مشاريع ممكنة. وقد ساهمت هذه المبادرات وغيرها في جعل الرياض نموذجًا للتنمية القائمة على البيئة في جميع أرجاء العالم.
كان دوكسياديس هو المخطط الوحيد في ذلك الوقت الذي اشتهر باحترام القيم الإسلامية في تخطيطه، نظرًا لتجربته العملية السابقة في كل من العراق وباكستان، لا سيما أنه تلقى المساعدة في عمله في بغداد وكورنجي بالقرب من كراتشي، من المهندس المعماري المصري البارز حسن فتحي. وقد انعكست هذه الدقة المتناهية على مقترحاته، ولكن حتى في أفضل الأحوال، لم تتمكن تلك الحساسية من التغلب على تحول التركيز السائد إلى دمج القضايا الاجتماعية مع الدراسات الطوبولوجية، في ذلك الحين.
نتيجة لهذا التآلف بين نظرية التحديث والتنمية التحويلية، تغيرت أدوار المهندسين المعماريين والمخططين الحضريين إلى دور حماة القيم الغربية. كما أعيد تصور تصميم البيئة المبنية كوسيلة للتحيُّز الثقافي. ويمكن اعتبار كونستانتينوس دوكسياديس الآن مثالاً نموذجيًا للتطبيق الفعال لهذه النظرية. ومع ذلك، كان مخطَّطه للرياض خطوة أولى مفيدة في تطور المدينة ويجب الاعتراف باختياره على أنه كان متبصِّرا. إن نمط الارشاد أو التفاوض حول مسار حقيقي لبناء بيئة تعكس الأصالة الاجتماعية والدينية والثقافية هو أمرٌبدا جلياً من هذه النقطة فصاعدًا، وبنظرة إلى الماضي نرى أن النمط تطور عبر عدة مراحل متميزة.
كانت الأولى نتيجة مباشرة لمخطَّط دوكسيادس ، عندما أصدر مجلس الوزراء السعودي قراراً في عام 1974، (29-05-1394 هـ) بإنشاء الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض (فيما بعد الهيئة الملكية لمدينة الرياض بقرار من مجلس الوزراء)، ثم فيما بعد جهازها التنفيذي مركز المشاريع والتَّخطيط. وقد أصبحت الهيئة الجهة المسئولة عن الحفاظ على صورة وهوية البيئة العمرانية للرياض، من خلال آلية خطط التنمية الاستراتيجية. وقد تم منح هيئة تطوير مدينة الرياض صفة هيئة مستقلة واعتبارها كياناً قانونياً يتمتع باستقلال مالي وإداري كامل يتبع رئيس مجلس الوزراء مباشرةً. ويمكن رؤية كل مرحلة من المراحل التالية، أو المراكز على منحنى التعلم المتصاعد، من خلال مشروع يلخص الحكمة والقيم السائدة في عصرها.
أصبحت المرحلة الثانية، التي تزامنت مع بداية الطفرة النفطية التي نتجت عن الأحداث العالمية في عام 1973، أكثر صعوبة بسبب احتمالية حدوث فوضى، إلا أنه سرعان ما أصبحت تلك الفترة البوتقة التي تم فيها صياغة المبادئ التي وجهت التنمية المستقبلية. وقد أُطلقت مبادرات كبيرة مثل حي السفارات ومشروع إسكان موظفي وزارة الخارجية بتوجيه من الملك سلمان عندما كان أميراً للمنطقة في ذلك الوقت.
تم اعتبار مبادرة حي السفارات بأكملها، والتي تم تنفيذها على عدة مراحل بعد ذلك، على أنها إنجاز كبير في التخطيط بسبب النهج المبتكر الذي اتخذه فريق محلي ومستشاروه الأجانب المتمثل في الإصرار على الاستخدام الحصري للتكوينات الجيولوجية المحلية والغطاء النباتي في موقع الحي الجديد على ضفة وادي حنيفة. ومن خلال فتح الوديان الخضراء على شكل حرف «V» بين كل من المناطق السكنية الخمس، سمح للتيارات الهوائية المتصاعدة من الوادي بتلطيف جوِّ الحيِّ بأكمله بصورة طبيعية. وقد تم تنظيم المساحات المفتوحة بشكل هرمي بدايةً من الساحة الكبرى، عبر سلسلة من المساحات العامة الأصغر حجماً، ثم إلى أفنية كل منزل على التوالي. وقد خدم هذا التدرج المتسلسل الغرض المزدوج المتمثل في توفير انتقال إنسانيٍّ متدرج بين المجالين العام والخاص بالإضافة إلى تسريع دورة التبريد بينهما. وتعتب رساحة الكندي، التي تقع في قلب حي السفارات أكبر مساحة عامة في هذا النموذج، كما تعتبر رسمياً نموذجاً مثالياً للمبادئ التقليدية للمدن الأخرى في جميع أنحاء العالم الإسلامي اليوم.
لقد أصبح حي السفارات، مثله كمثل كثير من المبادرات المماثلة التي تم اطلاقها في ذات الوقت، يمثل بشكل كبير قرار الملك بمقاومة ضغط التأثيرات والقيم الغربية، ويعمل كبديل، أكثر حساسية للنموذج الثقافي. ومن الملائم أن ميثاق الملك سلمان العمراني الذي تم الإعلان عنه في قصر طويق بحي السفارات، باعتباره خير مثال للتناغم المستمر للتقاليد والتقنية الحديثة والذي أصبح من ملامح العمارة السلمانيَّة.
من المؤكد أن مبنى وزارة الخارجية، الذي صمَّمه هينينج لارسن، وتم اكتماله في عام 1984، بعد أكثر من عشر سنوات مرت على افتتاح حي السفارات، أصبحت احدى الجواهر الخالدة في هذا الإنجاز التخطيطي والذي سيصبح له أثر دائم، نظراً للدروس التي يقدمها عن كيفية ترجمة الأنماط التقليدية بشكل معاصر.
أما المرحلة الثالثة، والتي تتوازى بشكل كامل مع الإدراك المتزايد للخطر المحتمل الناجم عن الآثار الاقتصادية لازدهار النفط، رغم كل المحاولات لتجنبه، والتأثير الصاحب لذلك من الغرب في أوائل الثمانينات، فقد تم إبرازها في مشروع تطوير قصر الحكم في قلب مدينة الرياض. وكان تكليف المعماري الأردني راسم بدران، والذي توافق ذوقه المعماري مع هدف الإحياء وليس الاستبدال مع الأخذ في الاعتبار العلاقة الازدواجية بين جامع الإمام تركي بن عبد الله وقصر الحكم بالإضافة إلى الارتباط الفعلي بينهما عن طريق الجسر الذي يربط بينهما، يضمن الامتداد التاريخي وليس الانفصال الواضح. وكثير من الناس لا يعرفون أن المعماري بدران كان قد سبقه المعماري الايطالي فرانكو ألبيني، والذي كان عمله في قصر الحكم نموذجاً للعمارة السلمانية بشكل خاص في دقته الشديدة في التعامل مع القيم الثقافية المحلية، والذي كان متأثراً بشكل ملحوظ بجذوره التي تنتمي إلى المدرسة العقلانية. ولا يوجد توثيق كاف لإسهامات فرانكو ألبيني في هذه المنطقة، وهو الأمر الذي يتطلب من الباحثين الكشف عنه في المستقبل.
وربما كان من المثير، أنَّ التزام الملك سلمان بالحفاظ على الارتباط بين الهوية الشاملة في هذا التوقيت الهام في طريق هذه المدينة الآخذة في النمو أيضاً امتد إلى مشروعات تتطلب مستوى عاليًا في الخبرة الهندسية، مثل مطار الملك خالد، والذي استكمل في عام 1983. وقد استطاع المعماريون إثبات أن التقاليد التي تتحدى الزمن والتطور التكنولوجي يمكن أن تتواجد جنباً إلى جنب عن طريق تنظيمه حول واحد من أجمل المساجد في المملكة، الذي تم تطويره عن طريق عمالة من أقصى جنبات العالم الاسلامي، مع وجود مسافرين يصلون إلى قلب واحة تفيض بالحياة باستخدام هيكل الجمالون الثلاثي الأبعاد عن قصد لإظهار فتحات الجدران المستلهمة من البناء المعماري النجدي. وقد تمكن المهندسون المعماريون من إثبات أن المبادئ الخالدة والابتكار التكنولوجي يمكن أن يتعايشوا سوياً.
كان مشروع العرض الذي أعلن عن المرحلة الرابعة في عام 1999 هو افتتاح مركز الملك عبد العزيز التاريخي احتفالاً بالذكرى المئوية لتأسيس المملكة. ويقع المركز في حي المربع ويجمع بين الحفاظ على المؤسسات ذات العلاقة بالملك المؤسِّس، مثل قصر المربع، إلى جانب المتحف الوطني ومراكز للتوثيق. وهذه الأجزاء من المراكز التي تمتد في احدى جانبي ميدان أخضر في المنتصف على مساحة 20,000 متر مربع، مع المنطقة التاريخية على الجانب الغربي التي تبدو وكأنها تؤدي إلى المتحف الجديد في الشرق عبر الحديقة، بأذرعها الطويلة وكأنها تستجيب لهذا النداء بأن تمد ذراعيها لتعانق الماضي. وهناك واحة موازية تتكون من 100 نخلة ترمز إلى العيد المئوي لتأسيس المملكة، وهي بمثابة البوابة الرسمية ونقطة النهاية للميدان من الناحية الجنوبية.
لقد تُوِّج حي الطُريف التاريخي في الدرعية، والذي كان بمثابة نقطة انطلاق المبادرة في مرحلته الخامسة، بإدراجه ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو عام 2010. وفي نوفمبر 2011، بعد دخوله قائمة اليونسكو، تم تعيين الأمير سلمان حينئذ النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ثم بعد ذلك وليًّا للعهد منذ يونيو 2012، وبويع ملكاً في 23 يناير عام 2015، مما وضع نهاية لانخراطه بشكل مباشر في تطوير مدينته الحبيبة، والتي كان يحكمها لأكثر من نصف قرن.
يقوم ابن الملك سلمان سمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بتطبيق قيم ومبادئ الملك سلمان. ومن بين هذه المبادئ، كانت مبادرة بوابة الدرعية، والتي تتعهد بتحويل المدينة التاريخية إلى مزار عالمي، ومشروع الرياض الخضراء هو أحد أربع مبادرات دشنها الملك سلمان بن عبدالعزيز في 19 مارس 2019، وتشرف عليها لجنة المشروعات الكبرى التي يرأسها صاحب السمو الملكي ولي العهد، وهي جزء من رؤية المملكة 2030. ومشروع الرياض الخضراء، والذي سيعيد العاصمة فعلياً لوضعها الأصلي كـ»حدائق» كما يشير إليه اسمها. ويتضمن هذا المشروع زراعة سبعة ملايين ونصف المليون شجرة، ستضيف 541 كيلومتراً مربعاً من المساحة الخضراء في كافة ربوع العاصمة، وهي تستمد مياهها من الماء المعاد تدويره من شبكة الري الكبرى، والتي ستعمل على تلطيف درجات الحرارة وتحسن طبيعة الهواء على مدار العام. وسيكون ذلك امتداداً للمبادرات السلمانية السابقة، بالإضافة إلى ما ذكرناه هناك أيضاً مبادرات أخرى مثل حديقة الملك عبدالله في حي الملز، وبرنامج أنسنة المدينة الذي بادرت به أمانة منطقة الرياض في الماضي. وهذا تذكير بأنه ليس كل المشروعات المذكورة حتى الآن تم تنفيذها عن طريق هيئة تطوير الرياض فقط، حيث ساهمت جهات أخرى مثل وزارة الخارجية، ووزارة الثقافة، ووزارة الرياضة وأمانة منطقة الرياض في الإرث العمراني السلماني.
تغطي حديقة الملك عبدالله في منطقة الملز مساحة 31.8 هكتاراً، وكانت مضمارًا لركوب الخيل قبل إعادة افتتاحها كواحدة من أكبر الحدائق العامة في المملكة في عام 2013. والحديقة مشهورة بين سكان الرياض بممر المشاة الطويل، ونافورة الليزر الضخمة والتي تعمل المياه على إظهار أشعتها. وتعتبر بحيرة الحديقة ذات صيت واسع بالنسبة لسكان الرياض خاصةً في الإجازات العامة. إن برنامج أنسنة المدينة والذي بادرت به أمانة منطقة الرياض عام 2008 في عهد أمين المنطقة الأسبق الأمير الدكتور عبد العزيز بن عياف، قد ركز على جعل العاصمة، التي تعتمد على السيارات مثلها مثل سائر مدن المملكة، أكثر ملاءمة للمشاة، وبهذا أيضاً تم تقديم نموذج وطنيٍّ يحتذى به، على غرار المشروعات «السلمانية» الأخرى. وقد تم اختيار شارع التحلية كأحد أول الدراسات لهذا البرنامج، وهو الآن واحد من أكثر الأماكن المفضلة للسكان في المدينة على اختلاف أعمارهم، بسبب الطريقة التي تتكامل بها المساحات المفتوحة وأماكن النشاط الاجتماعي الأخرى.
وبالنظر إلى الماضي، هناك قواسم مشتركة لكل من هذه المشروعات الهامة ولأخرى في كل مرحلة من تطور ما يمكننا الآن تعريفه بوصفه مهمة وأسلوب عمل موحد تم الاعداد له مسبقاً. وأول قاسم مشترك هو أن الملك استطاع أن يدير دفة مسار التنمية الجديدة، بحيث تحتفي كل مبادرة بتراث ثقافي واضح للجميع بشكل يؤثر على حياتهم، ويخاطبهم بلغة شاملة يستطيعون فهمها، ويدعم إحساسهم بهويتهم مستنداً على الفخر والاعتزاز بتراثهم المشترك. ويمكننا أن نجد الإجماع الثاني الذي تم التوصل إليه خلال هذه العملية التنموية ليس فقط التكامل التام لكل مرحلة مع البيئة، لكن أيضاً التعزيز التآزري للشبكة البيئية والمباني الواقعة داخلها وهو ما يقدِّم قيمة مضافة للمجتمع. أما القاسم الثالث فناجم عن الاستخدام الدائم للأنماط الهامة التي تؤدي أغراضاً ثقافية وبيئية هي استمرار الحفاظ على القيم الجمالية عبر الزمن، لجعل الرياض المدينة الوحيدة في عالمنا المعاصر التي تتمتع بهوية مرئية موحدة. أما القاسم الأخير من هذه الظاهرة التي أصبحت واضحة بشكل خاص بالنسبة لي وأنا أكتب كتابي «رؤية الملك: العمارة السلمانية في تاريخ الرياض»، والذي أصبح الآن في طور الإصدار، هو الأهمية القصوى لوجود مسجد باعتباره حجر الأساس الروحي لكل هذه المشروعات في كل مراحل التنمية، مثل المسجد الجامع في حي السفارات ومسجد الامام تركي بن عبد الله الكبير والجسر الموصل لقصر الحكم، ومسجد الملك عبد العزيز في المركز التاريخي، ومسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب والإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود في الطريف في الدرعية. ولا تحدِّد هذه المساجد الفراغات العمرانية التي تشغلها ولكنها أيضاً تفعل دورها الاجتماعي والروحي الذي تلعبه في المجتمعات التي تخدمها. ويتحقق هذا بشكل خاص في مساجد قصر الحكم والطُريف حيث كان من الممكن أن يوضح كيف كان المسجد متصلاً دائماً بسياقه الحضري بدلاً من أن يكون منعزلاً في وسط ساحة انتظار سيارات أو الميادين الكبرى والمتاجر كما هو الحال اليوم في كثير من المساجد الأخرى.
وما أصبح أيضاً واضحاً لي خلال كتابة «رؤية الملك» هو البعد المخالف تماماً من أن اختفاء الروحانيات في الغرب هو أيضاً أحد الأسباب الرئيسية وراء محو التأثير العام الحيوي المصحوب بالإحساس باللامكان واللاهوية واليأس.
ظلَّت رؤية الملك سلمان التي تم تطبيقها بوصفه أميرًا لمنطقة الرياض آخذة بشكل كبير في التحقق على أرض الواقع بمدى أبعادها، فيما يختص بالحفاظ على الهوية الثقافية والتي تم اكتمالها. ويتضح هذا في المشروعات التي تم تنفيذها مؤخراً مثل حي الدحو والذي يشغل خمسة عشر مبنى في الجزء القديم من الرياض كجزء مما هو مخطط له أن يكون استقصاء أثر التراث التاريخي للرياض.
إن استخدام كلمة «طراز» عند الاشارة إلى التمثيل المادي والمنتظم لمجموعة من المبادئ والتي تطورت على مدار فترة حكم الملك سلمان كأمير لمنطقة الرياض يعتبر أمراً صعباً، نظراً للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي وقعت مؤخراً بشكل نسبي. وبينما كان الطراز يُستخدم للإشارة إلى أكثر التعبيرات رقياً لروح العصر الخاصة بزمن معين أو حقبة ما، والتي اتضحت خلال محاولاتها الإبداعية، كان هناك تغييراً تم رصده في تحقيق واضح وجلي أجراه المُنظِّر فريدريك جاميسون وقد كتب بشكل مقنع عن تداخل الإنتاج الجمالي والتجاري في يومنا هذا، والذي نشأت عنه الحاجة إلى المسارعة في الوتيرة والابتكار كي تتماشى مع السوق بحيث يتساوى «الطراز» الآن مع «التسليع». وقد أدى هذا إلى ما يمكن أن يطلق عليه اسم عصر النسيان، نظراً لسرعة تغييراته، وفيه القوة الدافعة خلف الطراز هي قوة خفية، وقد حل محلها تكرار المظهر السطحي، بدلاً من التعبير عن القيم العظمى. ويشير الناس في الوقت الحاضر بتسرع إلى الطرز الحديثة أو الطرز الأخرى، بدون فهم جيد للمبادئ والقواعد التي أنشأتها، بأن يعتبر الجزء العلوي المسطح لمبنى حديث مثلاً، ملمحًا رسميًّا، بدلاً من إنكار ما كان متعارفاً عليه بأنه ماضٍ يتسم بالاستغلال. ويرى الدكتور زاهر عثمان استخدام كلمة « نهج» بدلاً من كلمة «طراز» للإشارة إلى العمارة السلمانية، وهو رأي منطقي. ويشغل الدكتور عثمان حالياً منصب الأمين العام لمركز الإدارة المحليَّة في جامعة الأمير سلطان، وقد ساهم بشكل شخصي في تنمية مدينة الرياض خلال عمله مديرًا عامًّا للتخطيط والبرامج في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وقد أشرف أيضاً على ترميم مبان تاريخية عديدة في المملكة كما كتب باستفاضة عن التراث السعودي.
هل مازال نهج «السلمانية» موجودًا اليوم، وكيف يمكن لأحد أن ينكر ذلك؟ للإجابة على هذا السؤال فمن المتفق عليه عمومًا أن الفترات الجورجية والريجنسية والباروكية والإمبراطورية، التي سمِّيت على اسم حكام هانوفر ونظام الحكم القديم والنابليونيين الذين ألهموها، يمكن تحديدها بوضوح؛ فلماذا تكون هذه الفترة التاريخية للملك سلمان والمتماسكة بشكل ملحوظ مختلفة؟ بالإضافة إلى ذلك، فإن مساهمة الملك سلمان التي لا مثيل لها، والتي استرشد بها بثبات من جميع الجوانب التاريخية والتراث الاجتماعي والثقافي لأمته، هي شيء حي، وأثبتت أنها مرنة بما يكفي للسماح بالتفسير الإبداعي ضمن إطار شامل للاهتمام بالصالح العام. ونتيجة لهذه المرونة النسبية، فإنَّها تحمل وعدًا كبيرًا للأجيال القادمة من المشاركين في تصميم وتخطيط البيئة المبنية في كل مكان، والذين يريدون أن يحذوا حذوها.
*معماري أمريكي وكاتب وباحث وأستاذ فخري في التخطيط والتطوير الحضري في جامعة جنوب كاليفورنيا، وله أكثر من 50 كتابًا عن العمارة المعاصرة نال العديد منها جوائز عالميَّة.
** **
- البروفيسور جيمس ستيل