عطية محمد عطية عقيلان
نمر بنوبات غضب واحتقان وزعل، ونتخيل ما نقوم به تجاه الآخرين من لَكْمٍ ورفس وتكسير لتفريغ هذه الطاقة والشعور بالتحسن، لذا ظهر ما يسمى غرف التفريغ (RAGE ROOMS)، حيث تحصل على لباس خاص وشاكوش وتقوم بتفريغ الطاقة السلبية التي لديك بتكسير الصحون دون ضرر، كل ما عليك أن تدفع ثمنها، والإنسان بطبعه كثير الانفعال والزعل والغضب، ويحتاج إلى ترويض نفسه، وقوانين رادعة تمنعه من الاعتداء على الآخرين أو ممتلكاتهم، ففي دولة البيرو أوجدوا مهرجاناً طريفاً للتخلص من الخلافات وتصفيتها بدلاً من حملها بحقد وغضب، فيقام في مدينة غوزكو بمناسبة بدء السنة الجديدة «مهرجان تاكاناكوي»، وهو عبارة عن عراك بالأيدي بين المتخاصمين لتصفية خلافاتهم بوجود حكام، بعد ذلك يتعانقون وتنتهي الضغينة التي بينهم بعد حلها بالعراك بالأيدي في هذا اليوم المعلوم، طبعا هذه المعارك نشهدها في عالمنا العربي في البرلمانات وعلى المستطيل الأخضر وفي الشوارع أحيانا، وفي البرامج الحوارية، مع اختلاف بسيط بأن ليس لديها وقت أو يوم معين بل مفتوحة على مدار السنة، وتستخدم فيها الكراسي والماكروفانات وكل ما هو متاح، وأيضاً مشكلة أخرى بأنها تكون بداية الخلاف ومعركة طويلة الأجل للوصول الصلح وتهدئة البال، وقد لا تنتهي أبداً ولا سيما عند إيذاء أو موت طرف، عكس ما يقوم به مهرجان تاكاناكوي أو تكسير الصحون، فهدفها إنهاء الخلاف والغضب مباشرة بعد التعارك، كذلك في تايلاند يقام احتفال رأس السنة من كل عام بين 13 و15 أبريل، برش الماء على بعضهم البعض وعراك بالماء اعتقادا منهم أنه يغسل السلبية والحظ السيئ ويمسح ذنوب السنة الماضية.. وفي جزيرة بالي يحتفل برأس السنة الجديدة ويسمى (يوم الصمت) بحيث يمنع استخدام الكهرباء أو إشعال النار أو قيادة السيارة والعمل.
لذا عزيزي القارئ نؤكد أن الغضب صفة طبيعية ملازمة للإنسان وقد تختلف من شخص لآخر، ولكننا نسعى طيلة حياتنا لضبط ردات فعلنا السلوكية والقولية، حتى لا تسبب مشاكل ومحاسبة قانونية وسجناً وتحمل حقوق وغرامات جراء انفلات أعصابنا بالغضب المفرط وندم غير مفيد بعد «وقوع الفاس بالراس»، ولنحرص بالبعد عما يستفزنا من أشخاص أو أماكن أو تجمعات، حتى لا تؤثر على صحتنا وحياتنا وتسبب قطيعة وندماً، وأن نحاول ونسعى لمزاملة ومصاحبة من يضيفون استقراراً وهدوءاً وراحة بال وتفاؤلاً ورضا ويجنبك سوء الظن في الآخرين والمجتمع، لذا يعتبر الحِلم عند الغضب من الصفات المحمودة للشخص، لأن الغضب يعمي البصيرة وعواقبه وخيمة ويقلب الحق الذي لك ليصبح عليك لسوء كلماتك وردات فعلك فتخلط الأمور وتدين نفسك، وتعجبني مقولة فيثاغورس «يجب عند الغضب أن نمتنع عن الحديث والفعل»، وعُرف الأحنف بن قيس التميمي، بأنه حليم العرب، فمن شدة حلمه وحسن خلقه، أن بني تميم عاشوا بفضله وسعة خلقه، وكان لا يأتي سلطاناً إلا إذا دعاه لذلك، ولا يتدخل في أمر أحد أطلاقاً، ولا يغتاب أحداً، ويفارق المجلس إذا ذكر أحد بسوء، ومن أقواله المشهورة «لا خير في قول بلا فعل، ولا في منظر بلا مخبر، ولا في مال بلا جود، ولا في صديق بلا وفاء، ولا في فقه بلا ورع، ولا في صدقة إلا بنية، ولا في حياة إلا بصحة وأمن»، وقوله أيضاً «لا يتبين حلم الرجل حتى يغضب».