الجزيرة الثقافية - محمد هليل الرويلي:
قدم الأديب خليل الفزيع ورقة عن لمحات من حياة عبدالله بن إدريس الأدبية في أمسية تحدث بها عن تجربة ابن دريس في النقد الأدبي والشعر والنثر بالإضافة إلى مشاركاته الأدبية في جمعية الثقافة والفنون في الدمام.
حيث أوضح الفزيع أن ابن إدريس أثرى ساحتنا الثقافية بروائع شعره، وبدائع نثره، وهو واحد ممن قامت على أكتافهم النهضة الأدبية في بلادنا، وتألقت بجهودهم منظومة الأدب بجميع فنونه الإبداعية، كرافد وافر العطاء، تنهمر جداوله في نهر الأدب العربي المعاصر.. تتأثر به وتؤثر فيه استناداً على إرث أدبي عريض، تضرب جذوره في أعماق تاريخ الجزيرة العربية.
ومما يحسب للراحل ابن إدريس أنه أول أديب أسس للنقد الحديث في حركتنا الأدبية، بكتابه «شعراء نجد المعاصرون» الذي احتفي به عمالقة الأدب العربي الحديث، ومنهم طه حسين وعباس محمود العقاد وأحمد حسن الزيات ومحمد مندور وبنت الشاطئ، وغيرهم من أدباء العربية المرموقين، ومن ذلك قول العقاد عن هذا الكتاب: (قرأت الكتاب وقد غير وجهة نظري تماماً عن الشعر في الجزيرة العربية، فقد وجدت فيه شعراً عظيماً، وشعراء عظماء، وعملك فيه أعظم). وبهذا الكتاب يكون الراحل رحمه الله رائداً في تأصيل قيم النقد الحديث في أدبنا المحلي، عندما اعتنى بشعراء نجد وشعرهم، وفق منظور نقدي ينسجم مع ما ظهر في عواصم عربية أخرى من مدارس فنية، رصدت التحولات الفنية في الشعر العربي المعاصر.
وعن تجربة الراحل الشعرية تبلورت في ديوانه الأول «في زورقي» متأثراً بما شهده عالمنا العربي من انبعاث فكرة القومية العربية، وحركات التحرر الوطني، والتخلص من الاستعمار، دون الخضوع للشعارات المؤدلجة التي تسربت إلى شعر بعض الشعراء وأفسدته، فظل شعر ابن إدريس نقياً وجميلاً في تطلعه للخلاص من ربقة الاستعمار، مناصراً لانتفاضات الشعوب العربية في الجزائر والمغرب وفلسطين وعمان، وله من الشعر الوطني عن بعض الأحداث والمناسبات الوطنية ما يستحق التأمل، لكن ذلك لم يطغ على حسه الشعري الشفيف، ليكتب عن التأملات والوجدانيات والهيام بما في الإنسان من خير، وما في الطبيعة من جمال.
وأضاف الفزيع أن الراحل تولى تأسيس ورئاسة تحرير جريدة «الدعوة» مع بداية عام 1385هـ التي صدرت إثر صدور نظام المؤسسات الصحفية، وعمل بها ثماني سنوات، كتب خلالها مئات المقالات في مختلف شؤون الحياة، رغم أنه كلف بمهمة المدير العام للمؤسسة، ولهذا الأمر ما له من تأثير على طبيعة العمل الصحفي الذي يقتضي بمفرده التفرغ التام للقيام بمهماته خير قيام، فكيف إذا أضيفت له مهمة المدير العام، مما يعني مضاعفة الجهد لضمان استمرار العمل الصحفي على الوجه المطلوب، ومع ذلك لم تنقطع مقالاته عن قراء الجريدة طوال تلك السنوات.
مختتماً الفزيع حديثه عن ابن دريس أن «الحديث عن الجوانب الأدبية في حياة الراحل يتعدد ويتشعب، فقد منح الوطن جميل وفائه، من خلال عمله في الدولة في عدة مناصب بارزة، كما رفع راية الوطن في العديد من المنتديات والمهرجانات الثقافية العربية والأجنبية، وتميز بمنجزاته الأدبية الرائعة، وكتب عنه وعن أدبه عدد من الكتب والدراسات، وكرّم من عدة جهات في الداخل والخارج، وحصل على العديد من الأوسمة والميداليات والدروع من عدة مؤسسات رسمية وأهلية، وتوّج ذلك باختياره الشخصية المكرمة في مهرجان الجنادرية عام 1431هـ حيث قلده الملك عبدالله وسام الملك عبدالعزيز، وفي تكريمه تكريم للأدب والأدباء في هذا الوطن العزيز».
وتوالت المداخلات في الأمسية من مثقفي وأدباء المنطقة الشرقية عن هذه التجربة الطويلة مستذكرين مقولته عن الشعر بقوله «أنا لا أعد الشعر شعراً ما لم يكن على قدر كبير من التأثير القوي والموسيقى الهادئة، والتصوير الصادق، والتعبير المنسجم، وليس بشاعر من لم يكن ذا خيال خصب مجنح، وذا أنغام عذبة ومعان متساوقة.. متدفق الشعور عميق الإحساس بجمال الكون والحياة»، كما قرأ الفزيع أجزاء من أبياته الشعرية.