عبد العزيز الصقعبي
حين قرَّرت أن أكتب هذه الكلمات، فكرت لمن أوجهها، ذاكرتي تختزن كثيراً من الأسماء.. رجال.. نساء.. أطفال، ولكن كل من أعرفهم من أشخاص، أتخيل ملامحهم، تقريباً، أسماءهم، أحياناً، ولو بعض الذكريات الباهتة، أما ما أفكر به الآن وربما منذ يومين، منذ أن خطر على بالي مشهد قديم ومحزن ومزعج وجارح فالأمر صعب، كيف أتحدث إلى لا أحد، كيف أبعث رسالة أكتب بها كلمات موجهة إلى «لا أدري»، أتخيل المكان والزمان، وهو واقع حقيقي وليس متخيلاً، المكان بيت شعبي صغير وتحديداً غرفة صغيرة في الدور الثاني، وأكثر تحديداً، صندوق حديدي صغير، نطلق عليه شنطة، مغلقة بقفل صغير، وضع في الصندوق بعض الأموال والحلي الذهبية، لا يذهب تفكيركم بعيداً وتتخيلوا صناديق «افتح يا سمسم»، فما يوجد في الصندوق حصيلة كدح وبعض الأموال المودعة وذهب بسيط لامرأة تزوجت منذ سنوات ليست كثيرة، الزمن هو الذي يوضح الصورة أكثر، لكم أن تتخيلوا أن الزمن قبل نصف قرن، قد تتضح قليلا الصورة، إذا لننتقل للحادثة، في يوم ما في ذلك الوقت ربما صباحاً، الأب في عملة، والأم في زيارة للجيران، والأبناء في مدارسهم، جاء شخص ما وتوجه للصندوق الحديدي الذي بالإمكان حمله، ولكنه كسر القفل، وأخذ النقود وقطع الذهب البسيطة، وأبقى بعض الملابس والأوراق، وغادر دون أن يشعر به أحد، أو يره أحد، غادر لتبدأ حكاية جديدة، كنت شاهداً عليها، تعرفت وقتها على مجموعة من الكلمات التي لم تكن متداولة إلا في بعض التمثيليات الإذاعية والمسلسلات التلفزيونية المحدودة، لص، سارق، سرقة، اقتحام، حرامي، عسكري، كنت أراقب الحدث ولا أعرف تماماً مدى خطورة الأمر، بالذات عندما يكون الأب ليس من أصحاب الثراء، موظف بسيط يحتاج إلى سنوات يعمل بها ليسترجع جزءاً من المبلغ الذي أخذه شخص ما ربما يعرفه ويعرف أن لديه بعض النقود.
أنا بعد سنوات طويلة، تذكرت تلك الحادثة، التي مرت بسلام، وبكل تأكيد بعناء، والله عوَّض ذلك الأب وأسرته بخير مما أخذه ذلك اللص، ولكن، كنت أرغب أن أسأله فقط «لماذا؟»، هذا السؤال الذي حاصرني منذ سنوات طويلة، لأتخيلك الآن أمامي واقف، «أيها اللص»، وأسألك «لماذا»، أريد أن أعرف، لماذا حددت تلك الأسرة الصغيرة متوسطة الدخل، وكيف خططت للسرقة، و كيف عرفت أنه لا يوجد أحد في البيت، وكيف دخلت البيت، ربما الإجابة على هذا السؤال بسيطة في ذلك الوقت، فالبيوت ملتصقة ببعض وغالبيتها شعبية، ليس هنالك أسوار عالية ولا كمرات، ولا يخلو البيت من وجود عاملة منزلية كما هو الحال الآن، في ذلك الوقت اقتحام البيت سهل، الأمر الأهم كيف عرفتَ أن هنالك نقوداً وحلى في ذلك الصندوق، أعتقد سأتوقف عند طرح الأسئلة، لأنني لا أميل كثيراً لكتابة القصص البوليسية، على الرغم من أنها مشوقة، ولكن أعود وأقول الأمر لم يتوقف عند فقدان مال، بل تجاوز ذلك إلى زرع بذرة رعب من شيء غامض، شعرت بذلك الزوجة والأبناء، لفترة من الزمن لا أحد يستطيع أن يصعد للدور العلوي وحيداً، خاف أغلبهم من الظلام، ثمة شبح في البيت أنت أحضرته بدخولك وسرقتك، فبقي لسنوات طويلة، لا أتخيل مطلقاً ما الذي حدث لك بعد أن سلبت ذلك المال، حتماً لو بقيت لزمننا هذا فسيكون عمرك فرق السبعين، أو أكثر، ربما لك أبناء أو أحفاد، لكن السياق لأي حرامي معروف، وهذا أطّرته كثير من المسلسلات الدرامية، نهاية سيئة، ربما كلامي مغلف بأسلوب وعظي، ولكن لم أذكر أن لص أو حرامي ندم على فعلته، إلا ما ندر، والشرع سن عقوبة للسارق وردت في القرآن الكريم.
محاولة فاشلة مني اليوم أن أوجه رسالة أو كلام، إلى شخص غير معروف، اقترف عملاً سيئاً، هو لا يستحق أي كلمة توجه إليه، ولا تكتب عنه، وهنالك بعض المشاهد التي تقبع ي الذاكرة، من الأفضل التخلص منها، لأنها بقع داكنة كادت أن تشوه كثير من الذكريات الجميلة، أسحب كل الكلمات التي حاولت أن أقولها، وأعتذر عن هذه الكتابة التي أردت هذا اليوم أن أوجهها لشخص لا يستحق.