دفعت بمختصر من سيرتي الذاتية وبعض الرؤى والاقتراحات لتنمية الباحة «عروس السراة» في مواقع محددة وقريبة من موقع سكني في رغدان بتنسيق وتنظيم من أمانة منطقة الباحة بهدف المشاركة في الانتخابات للمجلس البلدي لمدينة الباحة، والتنافس في القرى يختلف عن المدن، إذ تذوب الكفاءات المقتدرة ويبرز التعاطف القروي، لذا عزمت أمري وحزمت أوراقي وآمالي متواصلاً مع أقربائي وأصدقائي وزملائي كيف يتحقق الدعم في اليوم المحسوم، وفي صباح باحي بارد حملت نفسي إلى موقع الاقتراع، حيث منظمي العمل والصندوق الزجاجي الذي يمتلئ بأوراق الناخبين، كنت وقتها أدقق في ملامح العابرين بعد تسجيل أسماء مرشحيهم، حقيقة يعتريني شعور مفعم بالسعادة لمن يعلو وجهه الرضا والابتسامة لحظة دخوله بوابة الاقتراع ذلك في ظني مؤشر صادق تدركه القلوب قبل العيون كنت أدقق في كم الأوراق المطروحة في الصندوق الزجاجي، والمراقبون والمنظمون حوله ضمانا لعدم فقدان ورقة تصويت فضلاً عن كون عملية الانتخاب تمثّل قيمة ثقافية لمجتمع ناهض، لتعبر ساعات ذلك النهار بطيئة جداً، ليقفل عند مغرب ذلك اليوم ليحصل كل راغب في الترشيح نصيبه المقسوم، من أصوات الناخبين، زادت ساعات الترقب تعقبها نبضات القلوب المتتابعة إذا تنحى اسم أي فرد في قائمة المرشحين يعني يحمل لوحاته وأفكاره لتسكن غرف قلبه بعيدا عن الأنظار، وما أن أعلن عن أسماء المنتخبين ذاب قلقي حيث ظفرت بأصوات منحتني تأشيرة الدخول لعضوية المجلس البلدي لأمانة منطقة الباحة، ليعقب ذلك انتخاب مصغر لمقعدي رئيس المجلس ونائبة لأكسب أصواتاً أهلتني الترشح لأكون نائبا لرئيس المجلس البلدي، زادت المسؤولية لأمرين انتخاب مُقدر من الأهالي وانتخاب مُثمن من الزملاء أعضاء المجلس البلدي، عدت لأوراقي السابقة وطموحاتي العالية فمدينة صغيرة كالباحة جديرة بأن تكون عروس المصائف ودرة جبال السراة طبيعتها فاتنة ومناخها آسر وتراثها زاخر وحصونها شامخة ومدرجاتها تحكي أزمنة مضت لرجال بنوها بالأحجار لتشكل سلة غذاء توارثتها أجيال بعد أجيال، مدينة تتسنم ذرا جبال السراة تعانق السحاب، مدينة صغيرة كوردة تتضوع أناقة تمتد من شبرقة شمالا حتى خفة وبني حدة جنوبا ومن الربيان غربا حتى المزرع شرقا، وهبها الله غابات كثيفة من بينها غابة رغدان وشهبة، وجبال شماء، وأودية غناء، اكتست بجلباب المدنية فانتشرت مبانيها فوق سفوح الجبال لتكون أشبه بالكهرمان المتاثر يشد الأنظار، ودور المجلس البلدي هو أن يكون شريكا حقيقيا للتنمية من خلال الرقابة والمتابعة لمشاريع البلدية وإصدار القرارات والتوصيات.
ولمست الحماس المتقد الذي يشع من عيون وملامح أعضاء المجلس لديهم الأفكار والرؤى جاءوا لهدف واحد خدمة الوطن بحسب الإمكانيات والصلاحيات الممنوحة، وفقاً للائحة المجالس البلدية، مضت الأشهر، بل السنوات والمجلس يصدر قراراته التي تتلقاها الأمانة بكل ترحاب تنفيذا لبعضها وإرجاءً لأخرى حسب الإمكانات المتوفرة، ويمكن القول بأن الانسجام بين المجلس والأمانة أشبه بجناحي الحمامة البيضاء المحلقة في الفضاء، ثمة صعوبات تعاني منها مناطق الأطراف والمدن الصغيرة قلة وجود الشركات الكبيرة الناجزة للعمل، ولكون مدينة الباحة ذات طبوغرافية جبيلية فإن ذلك يزيد من التكلفة المادية على خلاف المناطق السهلية المستوية، مما دفع المجلس مخاطبة الوزارة مراعاة هذه الخصوصية برفع الميزانية لتتمكن من تحقيق طموحات المجلس البلدي ويلبي رغبات الأهالي ، ورغم ذلك فقد تم تنفيذ مشاريع استثنائية من بينها منتزه الأمير حسام والذي أضحى أحد المواقع الجاذبة للزوار والسياح وهنا تستحق الأمانة أجمل عبارات الثناء لإنجاز هذا المشروع الذي يضيف إلى رصيد السياحة في منطقة ناهضة كالباحة ، وشكل هذا المنتزه ثنائيا جماليا جنبا إلى جنب مع منتزه رغدان الشهير بغاباته الكثيفة من أشجار العرعر، زيادة على ذلك تعد الجبال ميزة للباحة والتي تشكل لوحات ربانية تزيد من بهاء وجمال الباحة.
خرج المجلس بمبادرات أظنها ذات قيمة من بينها ورشتا عمل تحت عنواني كيف نحافظ على الغطاء النباتي؟ وكيف نحافظ على الطراز المعماري؟ وكانت أوراق العمل العلمية المطروحة من قبل المختصين مبهجة وتم الخروج بعدد من التوصيات التي تصب في مصلحة المدينة وترسخ أهمية الحفاظ على الغطاء النباتي وكذا الطراز العمراني وتم توثيق الورشتين في إصدارين ملونين. وهناك أيضا مبادرات منها «باحتنا أجمل» وهي فكرة سبقت مبادرة الوزارة التي أسمتها تحسين المشهد البصري وقد شارك عدد من الفنانين التشكيلين في تزين جدران محاذية للطريق العام برسومات أنيقة ممهورة بتوقيعاتهم، وكذا مبادرة بيئة آمنة واستثمار مواقع لتكون ملاعب شبابية واستنهاض رجال الأعمال للأعمال التطوعية لفتح طريق منتزه مدخلة، امتدت فترة عمل المجالس البلدية لست سنوات كانت حافلة بالزيارات الميدانية للقرى والأحياء، ولقاءات مع الأهالي ومتابعة مستمرة للمشاريع وفتح نافذة التواصل عن طريق وسائل التواصل السريعة.
اعتبرها تجربة ثرية وزاد من البهجة إنشاء المكتب الاستراتيجي حيث يتكئ على رؤى استشرافية ودراسات علمية ومخططات هندسية وهلّت البشائر بتنفيذ مشروع سياحي ضخم بأكثر من 350 مليون ريال في منتزه رغدان ، وتشهد الباحة كغيرها من مناطق المملكة نهضة واثبة في عهد خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله وبمتابعة مستمرة وتوجيهات سديدة من صاحب السمو الملكي الأمير حسام بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة الباحة. ويمكن القول بأن الباحة واعدة في المجالين السياحي والزراعي، وما تلك المهرجانات « الموز، الرمان، الزيتون» إلا مؤشرات الاتجاه نحو الطريق الذي يحقق استثمارا اقتصاديًا ناجحا لكل الإمكانات المتوفرة في المنطقة ، والسياحة هي بطاقة مفتوحة للباحة حيث تعيش كرنفالاً يومياً مع ندف السحاب والضباب وكأنها معلقة تحملها النجوم.. هذه الباحة عروس السراة جارة السحاب.
** **
- جمعان الكرت