د. عبدالحق عزوزي
شهد العالم سنة 2021 أحداثا متنوعة حظيت باهتمام متزايد، وسنحاول في مقالتين متتابعتين تلخيص ابرزها والتي أراها جديرة بالتوقف عندها:
-لم ينته العالم بعد من تواجد وتداعيات فيروس كورونا المستجد؛ صحيح أن سنة 2020 كانت أشد من سنة 2021، عندما شل الفيروس في بداياته المدن والبلدان والقارات واوقف عجلة الاقتصاد وحجر ما يزيد عن أربعة مليارات إنسان في مساكنهم؛ وأودى الوباء بأرواح الآلاف من البشر... في سنة 2021 كانت المختبرات الدولية قد وضعت اللقاحات وبدأت تفقه الدول كيف ينتقل الفيروس وكيف يمكن التخفيف من حدته؛ ولكنها لم تقض عليه ولم تستطع إيقاف زحفه، ومازالت تداعيات المتحور الجديد والمتحورات المقبلة، لا قدر الله، تصيب العلماء والدول بالحيرة والذهول...
- النشاطات البشرية الملوثة أضحت كارثية وسريعة أكثر من أي وقت مضى وتحدث تغييرات مناخية خطيرة، وهو ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش في إطار تعليقه على تقرير أممي صدر سنة 2021 عن التغيير المناخي يقول «إنه إنذار أحمر للبشرية. أجراس الإنذار تصم الآذان: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا».
- بدأ الجميع يفقه أن صحّة البيئة توازي صحّة البشر أهميّة وما يعني ذلك من التعامل الجاد مع التغير المناخي والقضاء على المخاطر التي تحدق بدول العالم من عواصف تزداد عتواً، وحرائق غابات متسعة، وفيضانات وموجات جفاف وهي كلها مرتبطة بتغير المناخ إضافة إلى تلوث الهواء نتيجة حرق الوقود الأحفوري؛ فسيكون هناك «نهج حكومي شامل» في اغلب دول العالم بل وستكون في قلب أمنها القومي وتخطيطها الداخلي؛ وقد رأينا مؤخراً كيف أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن حزمة جديدة من الإجراءات التنفيذية للتصدي للتغير المناخي، أبرزها وقف إصدار عقود جديدة تتعلق بمشروعات النفط والغاز على أراض اتحادية، وقطع الدعم عن استخراج الوقود الأحفوري.
كما أن الروبوتات بدأت تنتشر أكثر في العالم، سيما أنها اليوم مستخدمة في كلّ القطاعات كأعمال التوصيل وإجراء فحوصات «كوفيد - 19» والخدمات الآلية وحتّى في المنازل؛ كما أنّ الخدمات الطبية الهاتفية باقية وستنتشر أكثر. ويقيني ايضا أن العديد من الأعمال ستشهد تحولا في هياكلها إلى الصيغة الرقمية، وأن قسماً كبيراً من التجارة والتفاعل والقوى العاملة سينتقل إلى العالم الرقمي أيضا. -كما أن الطاقات البديلة اضحت موضة العالم؛ فالتقارير تشير إلى أن 27 دولة من الاتحاد الأوروبي تمكنت من إنتاج ما تحتاجه من الكهرباء بنسبة 40% من الطاقة البديلة المتمثلة في طاقتي الرياح والشمس، لتتجاوز بذلك ما تم إنتاجه من الطاقة الأحفورية.
- الانسحاب العسكري الأجنبي في دول الصراعات اصبح قاعدة سياسية للعديد من دول العالم بما في ذلك أمريكا (من افغانستان) وفرنسا (من مالي)؛ وهاته القاعدة بدأت تعرف تجسيدا لها مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى عرش البيت الأبيض... فلا يوجد أي سبب استراتيجي مثلا يدفع الأمريكيين إلى إعادة نشر قواتهم في أفغانستان لأن هذا كان سيشكل «انتحارا سياسيا» لجو بايدن؛ كما أن فرنسا مع قرب الانتخابات الرئاسية وتأزم الأوضاع في منطقة الساحل أدت برئيسها إلى أخذ قرار الانسحاب العسكري من المنطقة.
-لم تشهد فرنسا في سياستها الخارجية وأمنها القومي الداخلي أزمة مثل التي شهدتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد إعلان أستراليا فسخ عقد ضخم أبرمته معها في 2016 لشراء غواصات تقليدية، واستبدالها بأخرى أمريكية عاملة بالدفع النووي.
-صفقة الغواصات النووية تعد جزءًا من إستراتيجية تطويق منسقة تقودها أمريكا وتعتبرها بكين تهديدًا لخططها لزيادة وتعزيز وجودها في منطقة المحيط الهندي.. وتسبب في تسريع وتيرة سباق التسلح في آسيا حتى قبل دخول هاته الغواصات الخدمة؛ ولجأت الصين إلى تصعيد سياساتها في التحديث العسكري، خصوصاً فيما يتعلق بالتكنولوجيا القادرة على مجابهة هذه الغواصات والضغط على حلفائها للتموقع معها؛ كما أن التحالف الأمني الجديد يضع مزيدًا من الضغط على مزاعم الصين المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي والمسارح البحرية الأخرى؛ ثم إن اندماج تايوان في البر الرئيسي الصيني سيقوض الميزة الاستراتيجية للولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ، مما يجعل الجزيرة نقطة مركزية استراتيجية للحرب الباردة الجديدة، وللحديث بقية.