أ.د.عثمان بن صالح العامر
مما يكثر الحديث حوله هذه الأيام علاقتنا بالآخر خاصة أهل الكتاب، ومن بين المسائل ذات العلاقة بهذا الموضوع الشائك والمتشعب حجية شرع من قبلنا (موقفنا من شرائع من سبقوا من الأنبياء والرسل)، هل نعمل بها أم لا؟
- من الفقهاء من يرفض العمل بها قطعياً، وهناك من يرى وجوب التوقف لوجود الأدلة المتعارضة ولا يمكن الجمع ولا مرجح، والرأي الصحيح بأن لنا مع شريعة من قبلنا ثلاثة أحوال:
* أن يأتي في القرآن أو السنة الصحيحة ما ينسخ هذا الحكم الشرعي، فهذا الحكم لا يعتد به، ولا يمكن الإحالة عليه لأنه منسوخ بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
* أن تكون تلك الشرائع جاء الأمر بها والنص عليها في التوراة أو الإنجيل ولم يأت في الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ذكرها والإشارة إليها فلا يجوز للمسلم الأخذ بها، لأن الأصل في حس المسلم أن هذه الكتب محرفة ولم يشأ الله عز وجل حفظها، فلا يمكن الركون إليها والوثوق بها، فضلاً عن أننا لسنا متعبدين بها .
* أما الشرائع التي كانت لأهل الكتاب قبلنا وذكرها الله عز وجل في كتابه أو أخبرنا بها رسوله على الصلاة والسلام من غير إنكار فهي شرع لنا على الصحيح، وذلك لقوة أدلة القائلين بهذا القول من فقهاء السلف والخلف وضعف أدلة المخالف ووهن اعتراضاته على المجيز، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء ورجحوه، ومن ذلك:
* مشروعية الكفالة سواء بالمال أو النفس، وكذا الضمان المالي وهو مأخوذ من شرائع يوسف عليه السلام. ومثل ذلك تفويض التصرف إلى الغير (الوكالة) استناداً لما كان من أصحاب الكهف {فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} من قصة موسى عليه السلام مع الرجل الصالح أخذ الفقهاء مشروعية الإجارة لأكثر من سنة.
* ومن حكاية ذي القرنين كان الاستدلال على مشروعية الجعالة (أي ما يجعل على العمل).
* واتفق الفقهاء على مشروعية القرعة تعويلاً على ما حدث ليونس عليه السلام مع أصحاب السفينة {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ} هذا على افتراض أن المسألة محل الحديث وموطن النزاع والاختلاف في الأخذ أو الرد لها أصل شرعي لدى من سبق، وفي باب المعاملات التي الأصل فيها الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه كما هو معلوم وليس في العبادات التي الأصل فيها التحريم إلا ما دل الدليل على حله، ولم تكن محل إنكار أو أنها منسوخة بنص، فكيف إذا لم تكن المسألة ذات أصل شرعي لديهم، ولم ترد في كتبهم المحرفة، أو أنها كذلك ولكنها في باب العبادات وأنكرها عليه الصلاة والسلام وحذرنا من اقتفاء أثرهم فيها واتباع منهجهم حيالها، أو أنها فوق كل ما سبق في باب العقائد لا الأحكام، كالمبالغة في إطراء عيسى عليه السلام استناداً إلى قوله عليه الصلاة والسلام (لا تُطرونِي كما أَطرتِ النصارى عيسى ابن مريمَ فإنّما أنا عبدُ اللهِ ورسوله)، فاللهم أرنا الحق حقنا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وإلى لقاء والسلام.