مها محمد الشريف
كثيرٌ من المتغيِّرات التي تحدث في العالم تجعلنا أكثر قلقاً، فمنطقة الشرق الأوسط وبالتحديد المنطقة العربية وإسرائيل وتركيا وإيران في مواجهة متغيِّرات عميقة، فإذا تحسنت القدرة على التحكم السياسي والاقتصادي في الدول التي تعاني من الفوضى والنزاعات الداخلية، قد تقترب من تحقيق بعض الأهداف، وكل هذه المتغيِّرات في غياب النظام الدولي الذي يشهد صراعات بين القوى الكبرى، وخاصة بعدما حلَّت الصين في مساحة هذا الصراع، فمنذ سقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة تحركت الجغرافيا وتحركت معها الأطماع الغربية، وكان الانتفاع والاستغلال قد استوطن تلك العقول.
فهل أصبحنا قريبين من العودة للحديث عن الحلول لتحقيق استقرار المنطقة وما هي الضمانات لعودة المهجرين، وهل المنطقة ستتحمَّل مزيداً من عدم الاستقرار؟ لذلك بات حتميًا الاتجاه للاستقرار ومن سيدعم أعمدة الأعمار، وما دور القوى الكبرى مثل أمريكا وروسيا وأوروبا؟ وهل يكون الملف النووي باتفاق أو بدونه عبر عقوبات أو تحجيم للبرنامج، فهل هي بداية للجم الفوضى لأنها إحدى أدواتها ومنبع الإرهاب، أم أن سرطان إيران أصبح مستشرياً واستئصاله هو الحل مهما كلّف الثمن، لم تكن الطريقة التي نفسر بها الفوارق في الكيفية تنبع من دوافع تلك التصرفات فمن الواضح بشكل لافت للنظر أيضًا أن المجتمع الدولي لا يستطيع حل تلك المشكلات دون رغبة أكيدة من الحكومات، ولا يملك إستراتيجية حاسمة أو مدروسة فليبيا والسودان والعراق ولبنان وسوريا وإثيوبيا لن تستقر مهما كانت الجهود الدولية والوساطة الأممية إلا إذا كان الخطاب السياسي لكل نسيج المجتمع بكل مؤسساته الدينية بدلاً من المشاحنات المستمرة والخطاب السلبي.
كان التوجه الأمريكي والخليجي لإيقاف الزحف الإيراني الثوري، ولكن مدى صعوبة إيقافه أضاف مهام أخرى لأمريكا لكسر قوة العراق السياسية والاقتصادية وإضعاف الدول العربية وإدخالها في صراعات معقدة وطويلة أشعلت حروب داخلية طائفية قسمت المجتمعات، وهذا السبب الرئيسي لكثير من الأشياء التي أفسدت أمن الدول وفتحت الحدود لتكون ممراً لدخول الغزاة، واليوم في سوريا ميليشيات حزب الله المدعومة من إيران بدأت تعزِّز وجودها جنوب وغرب العاصمة السورية دمشق. فقد أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن حزب الله اللبناني بدأ بعمليات حفر وتوسعة لقاعدة عسكرية قديمة كانت تتخذها قوات النظام السوري سابقًا للتدريب على استخدام طيران الاستطلاع ومركزًا لتدريب عناصر المخابرات الجوية على الرمي، في منطقة تقع قرب بلدة خربة الورد بالقرب من منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة، ويوجد بها الحزب منذ العام 2015 .
وها هي إيران جعلت أرض سوريا ساحة للقتال مع إسرائيل بعدما حذَّر عدة مسؤولين إسرائيليين والحكومات المتعاقبة من أنهم لن يتهاونوا مع الوجود الإيراني في سوريا، أو تسليم أسلحة إلى جماعات حليفة لطهران، معتبرين أن من شأن ذلك تهديد الأمن القومي لبلادهم.
ولكن عاجلًا أم أجلًا تأتي مرحلة لا تصبح فيها الإستراتيجيات فعَّالة لأن القوى في الداخل انهارت وغير قابلة للحل ووصلت إلى مفترق طرق لا خيارات فيه، فمن الأمنيات التي لم تتحقق في السنة الجديدة مصير الانتخابات في ليبيا وسط خيبة أمل أممية من تأجيل هذا الاستحقاق الذي علَّق عليه المجتمع الدولي آمالاً كبرى من أجل إخراج البلاد من حالة الفوضى التي غرقت بها لسنوات، والوعي التام بأهمية الاستقرار في عالم محموم والعودة إلى مسار آمن مستديم على المدى البعيد.
مهما كبر حجم تصدع الدول العربية، سيكون هناك فرصة متزايدة لأن تزول المعاناة والانتكاسة في مسيرتها، وعلى إيران أن تتحمَّل مسؤولية تنظيف الدماء المتناثرة على الأرض، فلم يعد مقبولاً تحمّل المزيد من هذا الفكر الثوري، فقد شكَّل أسوأ أنواع الكوارث في العالم العربي.