إن هناك قسماً متزايداً من الاستهلاك يتخذ مظهراً اجتماعياً وفردياً عندما يرتفع مستوى الاستهلاك المتوسط أي أن إشباع الأفراد من البضائع والخدمات يتوقف بدرجة متزايدة لا على استهلاكهم الشخصي فحسب، بل على استهلاك الآخرين أيضاً.
فبالنسبة للشخص الجائع، لا يتأثر إشباعه المستمد من وجبة دسمة بوجبات الطعام التي يتناولها الآخرون، أو بأي شيء آخر يفعلونه، إذا كان هو جائعاً تماماً، ذلك أن وجبة طعامه تشكل شأناً شخصياً، فهي مصلحة خاصة.
ومن جهة أخرى، فإن كمية الهواء التي يستنشقها فرد في قلب مدينة، تتوقف تماماً على ما يسهم به أقرانه نحو مقاومة التلوث سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، والهواء النظيف في مدينة رئيسية هو حصيلة اجتماعية أي هو خير عام ومصلحة عامة.
لقد أصبح من المسلم به في الآونة الأخيرة لدى علماء الاقتصاد المتخصصين في النظرية الاستهلاكية أن القسم الأكبر من الاستهلاك ليس خاصاً ولا عاماً، وما يشار إليه عادة بصفته استهلاكاً خاصاً أو شخصياً يتأثر في جوهره باستهلاك البضائع أو الخدمات نفسها المستهلكة من قبل الآخرين.
ويمكن القول، في الوقت ذاته، إنه يحتوي على عنصر اجتماعي، وما يشار إليه، على أنه استهلاك عام، فإنه يضم بعض صفات المنافع الخاصة.
وتشكل الندرة الاجتماعية مفهوماً رئيسياً، إذ تعبر عن الفكرة القائلة بأن الأشياء المفيدة في الحياة ليست محددة بالقيود المادية فحسب، بل أيضاً بالقيود الاجتماعية، فعندما تكون لدى البيئة الاجتماعية إمكانية محدودة لتوفير الاستفادة دون إفساد النوعية، فإنها تفرض قيوداً اجتماعية على الاستهلاك.
إذ قد ينشأ القيد الاجتماعي عن التأثيرات في الإشباع الفردي التي لا تتوقف على إشباع الآخرين أو المركز الرفيع الذي يتمتعون به، بل تتأثر مع ذلك باستهلاك الآخرين أو نشاطهم.
ولذا، حاول هيرش في مشروعه المعنون بـ Social Lemites Of Growth إعطاء أجوبة عن أسئلة ثلاثة هي:
1 - لماذا أصبح التقدم الاقتصادي هدفاً وبقي مفروضاً علينا جميعاً كأفراد إلى هذا الحد، على الرغم من أنه يعطي ثماراً مخيبة للآمال؟
2 - لماذا أصبح المجتمع الحديث مهتماً على هذا النحو بالتوزيع أي بتقسيم الحلوى، مع أن من الواضح أن الغالبية العظمى من الناس لا تستطيع رفع مستويات معيشتها إلا عن طريق إنتاج قطعة حلوى أكبر؟
3 - لماذا شهد القرن العشرون اتجاهاً سائداً عاماً نحو التزويد الجماعي والتنظيم الحكومي في المجالات الاقتصادية؟
ويمكن أن نطلق على هذه النقاط الثلاث ما يلي:
أْ - البحبوحة الموهمة للتناقض.
ب - الدافع الاضطراري للتوزيع.
ج - الجماعية المعارضة.
وفرضية المشروع الرئيسية هي أن هذه النقاط الثلاث ذات علاقة متبادلة وتنبع من أصل مشترك وهذا الأصل موجود في طبيعة النمو الاقتصادي في المجتمعات المتقدمة, ويكمن لُبّ المشكلة في التعقيد والغموض الجزئي لمفهوم النمو الاقتصادي حالماً يشبع معظم السكان حاجاته الحياتية الأساسية للمحافظة على البقاء كالمأكل والملبس والمأوى.
** **
zrommany3@gmail.com