محمد سليمان العنقري
يواجه العالم مرحلة جديدة من تحورات فيروس كورونا كوفيد 19 الذي أطلق عليه اسم أوميكرون الذي صنف أنه الأسرع انتشاراً مقارنة بما سبقه من متحورات وباتت أعداد المصابين ترتفع بنسب كبيرة ففصول هذه الجائحة لم تنته وتأخذ منعطفات جديدة بين فترة وأخرى رغم أن العالم موقفه أفضل منذ بداية ظهور الفيروس وتفشيه حيث تم اختراع لقاحات لرفع مناعة المجتمعات للحد من تفشيه واختراع علاجات بدأت تأخذ التراخيص ببعض الدول لاستخدامها لكن المخاطر ما زالت قائمة فرغم أن رأي الكثير من الدراسات والتقارير الطبية الصادرة من مراكز أبحاث عالمية تجمع على أن آثاره أقل من غيره من المتحورات لكن ذلك يبقى غير مؤكد بحسب الآراء الطبية ذاتها التي توصي بضرورة أن يأخذ الناس أقصى درجات الحذر والالتزام بالإجراءات لوقف هذا التفشي السريع له فدولة مثل بريطانيا التي وصلت نسبة أخذ الجرعات الكاملة من اللقاحات لقرابة 70 في المئة وصل عدد الإصابات بها بسبب المتحور الجديد إلى مليونين فرد في أسبوع حيث تشير الإحصاءات إلى أن أغلبهم ممن لم يتلقوا لقاحات أو لم يكملوا جرعات التحصين مما يدل على سرعة العدوى فهذا الرقم احتاجت بريطانيا لشهور حتى بلغته في بدايات ظهور كورونا عام 2020.
وفي المملكة بدأت أعداد الإصابات ترتفع بتسارع لافت فقبل شهر من تاريخنا الحالي وصل عدد المصابين على مستوى المملكة إلى 24 حالة في أقل حصيلة منذ بدايات الجائحة لكن بالتزامن مع موسم الإنفلونزا الموسمية تخطت الحالات قبل أمس حاجز 1700 إصابة أي بارتفاع 72 ضعفاً خلال شهر وقد يكون ذلك بحكم عودة فتح القطاعات الاقتصادية وإيقاف العمل بكثير من الإجراءات السابقة وهو أمر طبيعي لا بد منه بعد أن بلغت نسبة الحاصلين على جرعات لقاح كاملة 70 بالمائة من المؤهلين وهي النسبة التي يعتقد عالمياً أنها تحقق مناعة مجتمعية جيدة تقلل الإصابات وتحد كثيراً من أعراض المرض الخطيرة فلا يمكن إبقاء الاقتصاد معطلاً بأي حال لأن لذلك أضراراً كبيرة على المجتمع فالسعودية اعتمدت استراتيجية نجحت في استيعاب تداعيات الجائحة صحياً واقتصادياً ولكن بالمقابل فإنه بعد أن أصبح الفيروس معروفاً لكل المجتمع بمخاطره وتأثيراته وطرق الاحتراز من العدوى فيه فإن إيقاف تسارع زيادة أعداد المصابين هي بيد المجتمع اليوم بنسبة كبيرة جداً فالعودة بحذر ضرورية ما دامت الجائحة مستمرة عالمياً.
فالدولة سخرت إمكانيات كبيرة جداً لحماية المجتمع والاقتصاد فاقت تكاليفها 220 مليار ريال وخصص لقطاع الصحة ميزانية إضافية في عام الجائحة الأول عند 47 مليار ريال وكانت المملكة من أولى الدول التي تعاقدت لتأمين اللقاحات بكميات كافية لسكان المملكة من مواطنين ومقيمين لتوفير التحصين للجميع وما زالت العديد من المبادرات لحماية الاقتصاد مستمرة بالإضافة لخطط وبرامج تحفيز تم استعادة النمو الاقتصادي من خلالها وتم تحقيق نجاح كبير في تيسير الأعمال وأيضاً التعليم عن بعد بفضل الاستثمار الكبير بالبنية التحتية الرقمية وتهيئة المنصات التي من خلالها تم تنفيذ الأعمال بما كان له من أثر بتقليل حجم الضرر من هذه الجائحة بل تحقيق نجاحات كبيرة على مستوى العالم وعكس كل ذلك نجاح الإصلاحات الاقتصادية التي تحققت في الأعوام الخمسة الأولى من رؤية 2030 م التي رفعت من الإيرادات غير النفطية وساهمت بتعزيز المالية العامة والاستدامة المالية التي كان لها دور كبير بحماية الاقتصاد لكن في المرحلة الحالية التي نعيشها مع موسم إنفلونزا وأجواء تساعد على عودة الإصابات كما يحدث في أغلب دول العالم فلا بد من أن يساهم كل فرد بدوره لتحصين وحماية نفسه وأسرته واقتصاد الدولة من خلال زيادة الحذر والالتزام بالإجراءات الوقائية كالتقيد التام بكل إجراء يقر رسمياً كارتداء الكمامة والتباعد وكل إجراء يساعد بتحقيق الحماية من العدوى فمالك المنشأة أو الموظف فيها عندما يلتزمان بأساليب الوقاية المعتمدة إنما يحميان مصدر رزقهما بعد حمايتهما لصحتهما وصحة أسرهما ومحيطهما الذي يعيشان فيه.
العودة للمربع الأول من أزمة الجائحة بإقفالات كبيرة قد تكون مستبعدة فهذا ما يظهر عالمياً من خلال ما يصدر عن الكثير من الدول لأن الأسلحة التي تواجه بها البشرية الفيروس عديدة على رأسها اللقاحات وكذلك الخبرة بالتعامل مع الإصابات وأيضاً وعي الناس الذي ارتفع كثيراً وتشبع بالمعلومات عن طرق الوقاية مع توفر كل المستلزمات لتحقيق ذلك لكن يحدث أن يرغب الناس بالعودة للحياة الطبيعية مما قد يجعل البعض يستسهل ببعض الاحترازات وهو ما يساعد على ارتفاع الإصابات مما يعني بالضرورة أن تمثل الأرقام الحالية جرس إنذار لكل فرد بمجتمعنا بأن يعود للحذر والتعامل بجدية في تطبيق الاحترازات لكي يتم تخطي الموجة الحالية التي انتشرت بالعالم ونتأثر بها ولمساعدة القطاع الصحي في تلبية احتياجات المجتمع لخدماته دون أي ضغوط قد تحدث لا سمح الله إذا استمرت الزيادة بالإصابات ونسأل الله أن يحفظ الجميع من كل مكروه.