عبدالوهاب الفايز
في الأسبوع الماضي قلنا إن أحد مقومات السلام الاجتماعي وصيانة الجبهة الداخلية لدولنا نجده في (ضرورة المحافظة على الأسرة) وحماية دورها الحيوي للتنشئة الاجتماعية. وحماية الأسرة من التفكك يبدو أنه هم عالمي، ونخص الدول التي تنامت فيها وتطورت حركات التمرّد على القيم والمبادئ التي تحكم بناء الأسرة واستقرارها، بالذات المبادئ التي تعكس الوضع الحالي للقانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلَّق بقضايا التوجه الجنسي والهوية الجنسية، وفي الأمم المتحدة هناك من يسعى لجعل المعايير القانونية الدولية ملزمة ويجب على جميع الدول الامتثال لها!
والمملكة لم تتردد في إبداء أية تحفظات تراها على قرارات ومواقف الأمم المتحدة إذا كانت تتعارض مع مصالح شعبها وحقوقه السيادية. وقبل أسبوعين رأينا موقف المملكة الثابت الرافض لأية تعريفات جديدة تستهدف الإخلال بالنظام الأخلاقي والقيمي، بالذات مع التوجه لتوسيع تعريف الأسرة لتشمل الشواذ جنسياً وكل ممارسات المثلية الجنسية والهوية الجندرية، ورأينا موقف الحكومة على لسان مندوب المملكة في الأمم المتحدة، وأيضاً رأينا موقف سماحة المفتي، ويدعم ذلك موقف قادة الرأي والنخبة الفكرية والثقافية والطيف الواسع من الشعب السعودي.
والأهم في المواجهة الأممية لهذه الدعوات الغريبة ما نجده في تاريخ ومواقف بلادنا. فنحن والحمد لله تحمينا ثرواتنا الوطنية وقادرون على الموجهة. لم نستجد المساعدات، ومنذ بداية جهود المملكة في برامج المساعدات التنموية، عبر صندوق التنمية السعودي وعبر برامج ومشاريع القطاعين الخاص والخيري، لم نربط المساعدات الإنسانية بأية شروط سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، بل كانت المساعدات تذهب للمسلمين وغير المسلمين. هذا المبدأ الذي يستبعد المصالح ربما يجعلنا في موقف غريب وغير حصيف سياسيًا لدى الذين لا يعرفون منطلقاتنا الخيرية. طبعًا هؤلاء يعرفون حال المساعدات الخارجية التي يقدمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وشروطهما القاسية، وأيضًا برامج المساعدات الأمريكية والأوروبية التي يعود ثمانون بالمئة منها إلى شركات ومقاولين وعاملين في الدول المانحة.
المؤسف في العمل الدولي ما نراه يبرز الآن في نشاطات الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة في الشأن الإنساني وشؤون الأسرة والطفولة. هذا الجهد في العقدين الأخيرين خضع للمصالح السياسية الأميركية والأوربية، ونشير هنا إلى التوسع في تطبيقات ومفاهيم حقوق الإنسان. الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تعد بمثابة برلمان عالمي، قبل عقود بذلت جهود إيجابية لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في العالم، وركَّزت على حقوق الفئات الضعيفة والمهمشة. وكانت خطوة مهمة عندما رأت أن بقاء حقوق الإنسان في إطار (الواجبات) لن يُحدث تقدمًا ملموسًا في تصحيح الممارسات الدولية. وكان التحرّك لوضعها (حقوق محددة) يَتم الالتزام بها، ويكون سهلاً قياس ومتابعة تنفيذها، وبالتالي يتم محاسبة الدول عليها في تقارير المؤشرات.
هذا التوجه في حينه لم يعترض عليه أحد لأنه يعكس إرادة الجمعية العامة. لكن هذا الوضع لم يستمر بعد قيام اللجان والمنظمات الدولية التي تعمل تحت مظلة الأمانة العامة للمنظمة الدولية. هذه الكيانات مع الأسف تم اختطافها واختراقها من جمعيات ومنظمات المجتمع المدني الغربية، وتوسع هذا الاختراق ليتيح تمرير كل المصالح والأيديولوجيات، بالإضافة إلى المصالح السياسية والاقتصادية.
وأخطر هذا الاختراق جاء من منظمات مدنية غربية تتخصص في تسويق مشاريعها وتوجهاتها الفكرية المعاصرة خصوصًا ذات المنحى الليبرالي المتطرف المستمد من المنطلقات الوجودية، والإيديولوجية الجندرية الراديكالية التي تستهدف زعزعة الأسس العلمية البيولوجية التي تعيد تعريف الإنسان والرجل والمرأة، بخلاف الفطرة البشرية السليمة. وأعضاء هذه المنظمات الأهلية أصبحوا مشاركين في عمل وكالات الأمم المتحدة ويساهمون في صياغة القرارات والمواثيق الدولية. وهنا خطورة الوضع على المجتمع الدولي. وهناك العديد من الأمثلة على الانتهاكات الصارخة المسيئة لمنظومة الأمم المتحدة من قبل هذه المنظمات الحقوقية.
من المنظمات الأهلية الأمريكية التي تعمل على حماية الأسرة Family Watch، فهذه المنظمة النشطة تسعى لتعزيز دور الأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع على المستوى الدولي والوطني والمحلي، وتقوم بنشاطها من خلال التعليم والدعوة المؤيّدة للأسرة. وتراقب وتحلّل عن قرب تطورات السياسات والبحوث المتعلّقة بالحراك الثقافي والاجتماعي والقانوني التي تستهدف التأثير على الأطفال والأسر. وتشارك في مؤتمرات الأمم المتحدة والمفاوضات الدولية لمناصرة الأسرة. ولديها أعضاء وأنصار في 170 دولة يمثّلون مختلف الثقافات والأديان والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية يعملون جميعًا لحماية الوعي والإدراك بـ(أن الأسرة هي الأساس الضروري لكل مجتمع ناجح).
وتعمل مع منظمات مدنية أمريكية تفرَّغت للدفاع عن الأسرة، وتبذل الجهد الدولي لإبراز خطورة التوجهات الليبرالية على الأسرة، وتتوسع جهودها خارج أمريكا لتحذير الدول من المخاطر على الأسرة.. وتنظم برامج لتدريب القيادات في المنظمات الأهلية والحكومية حتى يستطيعوا العمل المنظّم المحترف لمنع إصدار التشريعات والقوانين المضرة بالأسرة والطفولة. وتركّز جهدها أيضاً على أمريكا التي تأتي قائمة الدول التي تأثرت بنيتها الأسرية بهذه التوجهات والتشريعات الليبرالية الراديكالية.
ومن هذه التشريعات التوجه إلى فرض التعليم الجنسي للطلاب في سن مبكرة. الذين يرفضون هذا الأمر يرون أن الأطفال الذين يتعرضون للمحتوى الجنسي مبكراً سوف يؤثِّر على إدراكهم للهوية الأساسية مما يرفع الاحتمالات بعدم قدرتهم على تكوين أسر مستقرة والحفاظ عليها كبالغين نتيجة لصراع الهوية. وهذا يبرر الخوف من المناهج الجنسية التي تتسلّل إلى المدارس في جميع أنحاء العالم.
تفكك المجتمعات والدول يبدأ من تفكك الأسرة وتهميشها وإضعاف دورها. وهذه التشريعات هي أقرب إلى أسلحة الدمار الشامل للشعوب!