د. محمد بن صقر
حاول السياسيون والاقتصاديون والاجتماعيون ومن يملكون حق اتخاذ القرار أن يقللوا من هامش الأخطاء في اتخاذ قراراتهم أو أن لا تكون هناك أخطاء بالأساس في اتخاذ هذه القرارات وعلى ضوء ذلك هم يحاولون وضع منهجيات مستندة على براهين وأدلة وتجارب تاريخية أو نظريات معرفية أو بناء منهجيات وأساليب جديدة تحتم عليهم محركات التغير أو ظروف مرحلة معينة أن يكونوا فاعلين في اتخاذ قراراتهم وأن لا تكون هناك أخطاء تقابلهم، هذه الأخطاء قد تكلف الكثير إذا ما اتخذت بدون تمعن ففي كتاب «ستيفن وير» ذكر أن التاريخ هو نتاج سلسلة من الأخطاء الكبرى، منذ بداياته الأولى حتى الحقبة الراهنة. واختار لكتابه عنوان «أسوأ قرارات التاريخ»، نجد أن الأخطاء الكبيرة مازالت مستمرة والقرارات غير الذكية متواجدة أو تلك التي لها تبعات كبيرة وقد ذكر في كتابة مثال المسؤول عن مفاعل «تشيرنوبيل» النووي الروسي عندما قام باتخاذ إجراءات تقنية كان منها أن أثارت كارثة إنسانية حقيقية في التاريخ، كذلك من أسوأ القرارات الذي ذكرها الكتاب وعرفها التاريخ ما فعله «نيرون» بحرقه روما وأخذ «يعزف على قيثارته» وهو يتفرّج عليها، وبغض النظر عن الدافع الذي ذكره الكاتب في هذه الحالة وهو الجشع واستمرّ الحريق لمدة ستة أيام وطال المدينة كلها تقريباً وأدّى إلى التدمير الكامل لبعض الأحياء. أيضاً من الأخطاء كذلك غزو العراق الكويت.
أما في القرارات الاقتصادية ما تم لشركة (ياهو) حيث ضيعت صفقة مع شركة مايكروسوفت مقابل مبلغ 44.6 مليار دولار، حين رفض جيري يانج الشريك المؤسس للشركة العرض وبعد ذلك بسنوات اشترتها «فيرايزون» مقابل 4.83 مليار دولار فقط، والمتتبع لكثير من القرارات السياسة أو الاقتصادية أو الإدارية يجد فيها أخطاء لكن ما الطريقة التي تقل فيها نسبة الأخطاء أو يكون هناك نسبة ضئيلة في هامش الخطأ ويمكن تصحيحه؟ فما ينبغي أن يفعله المستشارون والخبراء ومن هم في مطبخ القرارات أن يكون لديهم عدة خطوات يقومون بها قبل وضع أي قرار فبداية لا بد التفريق بين القرارات التي تأتي نتيجة أزمات والقرارات التي تأتي نتيجة وضع خطط واستراتيجيات، ولعل حديثنا هنا هو عن القرارات التي تأتي نتيجة أزمات وهي التي يجب أن تكون على درجة عالية من الدقة والحيطة فالقرارات هنا إما أن تزيد الطين بلة أو أن تكون القرارات بمثابة المتنفس والمنقذ وطوق النجاة فأولى الخطوات هي تغيير مسار كرة الثلج فالأزمات عندما تأتي تكون بمثابة كرة ثلج متدحرجة مليئة بالتحديات فصعب إيقافها وإنما تغيير مسارها لتقليل أضرارها فصنع القرار في مثل هذا الأزمات ووسط عدم اليقين بالتبعات ليس بالأمر السهل فمع تغيير المسار لا بد من إشراك الناس وسط حالة من عدم اليقين، وغالبًا ما يشعر القادة بالحاجة إلى قصر السلطة على من هم في القمة، مع وجود فريق صغير يتخذ القرارات الكبيرة. وإشراك المزيد من أصحاب المصلحة وتشجيع وجهات النظر المختلفة والنقاش من خلال اتخاذ الخطوات من ضمنها أولاً: توضيح القرارات الواجب اتخاذها. ثانياً: تحديد عدد قليل من صانعي القرار. ثالثاً: تحديد من يجب أن يكون له رأي، بما في ذلك أصحاب المصلحة والخبراء المعنيون، وأولئك الذين سينفذون القرارات وأن يكون لكل شخص صوت ولكن ليس له حق التصويت. رابعاً: في مرحلة تغيير المسار لكرة الثلج وتفكيك كرة الثلج لا بد من اتخاذ الخيارات الصغيرة الحاسمة والمكاسب السريعة ذات الضجيج العالي حيث إن بعض القرارات التي تبدو صغيرة أو روتينية في البداية يمكن أن يكون لها آثار استراتيجية كبيرة فبتالي لا بد من توقع عدة سيناريوهات محتملة لكيفية تطور الأمور بمرور الوقت وهذا يعني التركيز على القرارات الاستراتيجية وتمكين القادة بالحكم والشخصية. إن القرارات الذكية ليس لها أسلوب واحد أو منهجية واحدة ولكنها تتفق على بعض الخطوات والمراحل التين ضمنها ما تم ذكره وأيضاً التركيز على النتائج بغض النظر عن الأسلوب.