علي الخزيم
منذ زمن الخَيل وخيمة الشَّعر التي تتوقَّد بجانبها نار الحطب تُنادي الأضياف والعابرين لتكريمهم كعنوان بارز للكرم العربي؛ فان عنواناً لا يقل أهمية ورمزية يُصاحب هذا المشهد المُفعم بالنُّبل والأصالة، ذلكم هو ما يُحيط بالوطيس (موقد النار) من آنية القهوة العربية التي تُعَدُّ خصيصاً لِقِرىَ الطارق ليلاً والعابر النازل قرب المضارب فكلهم بحكم الضيوف ولا يتنازل العربي عن شيمة ضيافتهم وإكرامهم تأكيداً لما ورثه وتعلَّمه من الأسلاف وسجاياهم الراقية، والعربي يعشق القهوة كمشروب مُفضَّل له ولأضيافه، ويُعوِّد أنجاله على تعلم مراسمها وطرق إعدادها وأدبيات تقديمها، ولتبقى عنده مصدر اعتزاز وصورة من صور الكرم والتلطف مع الضيوف، وهنا بالمملكة تُعَد القهوة من الضروريات التي لا بد من توفرها بمجالسنا وبيوتنا، بل إن المجالس ودواوين استقبال الضيوف تُسمَّى ببعض المناطق بالقهوة أو (المَشَب) وهو مكان صنع القهوة بداية بتحميصها وغليها أمام الضيوف تمهيداً لتقديمها لهم، فيجدون متعة فريدة بمشاهدة مراحل إعدادها ورائحة تحميصها الزَّكية فتزيدهم رغبة وتَشَوُّقاً، وإن حدث ـ وهو نادر ـ أن القهوة لم تُقدَّم للضيف العابر فهي إشارة لأحد أمرين: إمَّا أن المُضيف بحالة عَوَز ولا يجد ما يقدمه لضيفه! فحينها يُلَمِّح له ببيت من الشِّعر اللطيف أو قصة قصيرة تتضمن إشارات تشرح وضعه لعله يتكرم فيعذره ولا يفضحه، أو أن الضيف ممَّن يستثقلهم المُضيف أو كانت له سابقة غير مقبولة في سياق (أدبيات الضَّيف والمُضيف) فأراد إفهامه لئلا يكرر الحلول بمضاربه أو منزله كضيف؛ غير أن شيمته ومروءته لا تسمح له بتعمُّد طرد الضيف مهما كان وزنه، فالمتعارف عليه أن الضيف الذي لا تُقدّم له القهوة يشعر بالإهانة وعدم التقدير والاحترام.
وتُصنَّف المملكة بين أكثر الدول استهلاكاً للبن لارتفاع معدل احتساء القهوة، وتقدر الكميات المستوردة سنوياً للأسواق السعودية من البن بنحو 73 ألف طن، وبمعدل إنفاق يتجاوز المليار ريال سنوياً، وبإضافة المنتج المَحَلِّي فإن واقع الاستهلاك يتجاوز 80 ألف طن، ونظراً للعائد الاقتصادي لزراعة البن فقد سعت حكومة خادم الحرمين الشريفين وبمتابعة واهتمام من لدن سمو ولي العهد ـ حفظهما الله ـ لجعل منطقة جازان مصدرًا مهمًا لإنتاج البن أو ما يمكن تسميته (الذهب السعودي الأخضر) لا سيما النوع الخولاني ذا الجودة العالية ولما سيشكله من دعم للاقتصاد الوطني وفقاً للرؤية السعودية 2030، وتزايد إنتاج البن بمناطق زراعته بكميات مُرضِية نسبياً تسعى للوصول إلى النسب العالمية؛ إذ تشير الإحصاءات إلى أن الناتج المحلي من البن العربي بمناطق جازان والباحة وعسير يربو على 1800 طن بالسنة، ما يوازي 350 طناً صافياً بدون قشر، على أن للقشر استخدامات لا تقل أهمية عن صافي حبوب البن، حيث يبلغ عدد الشجيرات بهذه المناطق حوالي 400 ألف شجرة تضمها حوالي 2540 مزرعة.
وحَرِي برجال الأعمال ومن له اهتمام بالزراعة من المستثمرين التوجّه نحو جني نصيبه من هذا الذهب الثمين والتسابق لتطوير زراعة وتنمية شجرة البن واستصلاح زراعتها بالمناطق المناسبة الأخرى كثروة وطنية واعدة.