إيمان حمود الشمري
لم أكن يوماً مهووسة بالتنجيم وقراءة الطالع، ولكن احتكاكي بمحيط نسائي يهتم بهذه الأمور جعلني أكثر فضولاً لخوض التجربة، ولحسن حظي في المرتين اللتين كانت إحداهما قراءة ورق اللعب والأخرى قراءة الفنجان حدثت أحداث عكس التوقعات تماماً بشكل صادم، مما جعلني اعتبرها دلالات وتوجيه رباني بعدم الانزلاق في هذه التفاهات ومواجهة الواقع دون تأهب وانتظار وإنما بالاستمتاع بالحاضر لأن أجمل ما حدث لي في الحياة كان عنصر المفاجأة فيه هو البطل.
أخفى الله علم الغيب على الإنسان بحكمة ورحمة فيه، ولكن هذا الإنسان بجهله يبحث عن تعاسته. لماذا نريد أن نعرف الغيب دون أن يكون لدينا القدرة على تغيير الأحداث وردها، ونثق بتنبؤات أشخاص لا يملكون من أمرهم شيئاً وليس لديهم القدرة على قلب الأحداث سواء برد مرض أو موت أو أخذ الاحتياطات من المستقبل لا بالتخطيط وإنما بالتنجيم والتوقّع والجلوس بتسليم كامل لانتظار مرور الأحداث، أي تخبط نعيش فيه بتسليمهم أنفسنا؟ كيف نسمح لأشخاص غرباء لا يعرفون أي شيء عن حياتنا ومعاركنا في الحياة بالتنبؤ بما سيحدث لنا وكأنهم أعلم منا بحياتنا، كيف نصدق هذا الهراء ولا نصدق القرآن الكريم، حيث إن رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم الذي ينزل عليه الوحي لا يعلم الغيب ولا يملك من أمره شيئاً، {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} الأعراف (188).
فلندع التنجيم وننشغل بالأهداف وليكن أول أهدافنا التوقف عن قراءة الطالع والانشغال بترميم الخلل في أنفسنا، وتعديل ما يعكر صفو حياتنا، فليس بالضرورة أن تكون قائمتنا مليئة بالإنجازات، فلتكن نجاحاتنا على الصعيد النفسي والشخصي فإن ذلك أهم إنجاز وتصالح مع النفس والظروف، على سبيل المثال لا الحصر: التوقف عن اجترار الماضي والتأسف عليه، عدم السماح بتقريب أشخاص يستهلكون وقتنا وطاقتنا دون أي مردود، عدم التركيز على الحظ والانشغال بالعمل فإنه قانون كوني ومحصلة منطقية لأن العمل بحد ذاته إنجاز أياً كان مردوده، التقليل من متابعة المشاهير التي تجلب الكآبة كونك شخصاً تراقب الأحداث دون أن تتحرك، اصنع قائمتك بنفسك وانشغل بتطويرها بعيداً عن دجل التنجيم وعلماء الطاقة واستهلاك الوقت بالانتظار، استمتع بحياتك ولا تسمح لأحد أن ينبئك بمستقبلك ويقتحم خصوصيتك ويجعلك في صراع المقارنة طوال الوقت بين ما قيل وما يحدث لك، لا تكن عدو نفسك وعش حياتك مطمئناً مستعيناً بالدعاء لا بالهراء.