شكَّلت قضايا الحدود السياسية للمملكة العربية السعودية منذ بداية تأسيسها عائقًا أمام تطوير علاقاتها الثنائية مع جيرانها، خاصة في المنطقة الشمالية مع دولة العراق، وذلك بسبب الحدود السياسية المتداخلة فيما بين البلدين والتي لم تنجح الاتفاقيات والمعاهدات والمؤتمرات في تسويتها على أرض الواقع.
لذا أوكل الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى الأمير عبدالعزيز السديري - رحمه الله - في سنة 1357هـ- 1938م إمارة القريات, وجمع له معها مفتشية الحدود الشمالية الغربية، ومنذ ذلك الحين أصبح الأمير عبدالعزيز السديري رئيسًا للجنة الحدود السعودية العراقية.
بدأ الأمير عبدالعزيز السديري مناقشاته لقضايا الحدود السعودية العراقية بالمخاطبات الرسمية والبرقيات دون الاجتماع الفعلي للجان، حيث كان يخاطب مدير أمن الحدود الجنوبية العراقية على حدة فيما يتعلق بالحوادث التي تقع داخل المنطقة الجنوبية من العراق، وكذلك يفعل مع مدير أمن الحدود الشمالية العراقية في حال كانت الحادثة داخل المنطقة الشمالية من العراق، بعد ذلك يرفع الأمير عبدالعزيز السديري للملك عبدالعزيز بذلك والذي قد يكتفي بهذا الإجراء أو يوجه وزارة الخارجية السعودية بتقديم خطابات احتجاج في بعض القضايا المهمة، وعلى سبيل المثال نورد برقية الأمير عبدالعزيز السديري إلى مدير أمن الحدود الجنوبية العراقية عبدالرزاق فتاح التي يقول فيها: «سبق وأبرقنا لسعادتكم في تاريخ 26-1-1357هـ بخصوص الحادثة الواقعة في مطب السليمانية من أهل ثلاث الركايب التي عليها خمسة أشخاص... للأسف لم تجاوبونا على هذه البرقية فيما أجريتموه من تعقب للمذكورين. فالآن نكرر عليكم ونطلب مجازاة المعتدين وإفادتنا النتيجة. وتقبلوا تحياتي».
وكان الملك عبدالعزيز يتابع كل قضية بنفسه فيعطي توجيهه للأمير عبدالعزيز السديري ويوصيه بعدم الغفلة عنها والحرص على متابعتها والتعقيب عليها أولاً بأول في حال تأخر الرد، وفي ذلك يقول الأمير عبدالعزيز السديري جوابًا على ذلك: «إني باذل أقصى جهدي وإنما -حفظكم الله- مأموري حدود العراق فيهم بعض الإهمال وخصوصًا متصرف لواء الديلم؛ لأننا نرى كل مسألة تتعلق فيه لا تنجح. وقد كتبنا إلى مدير مركز السلمان وكررنا عليه. هذا والمولى يديم عزكم».
وبما أن أسلوب المراسلات والمطالبات والمفاهمات المتعلقة بالقضايا الحدودية - عن طريق البرقيات- لم يؤت ثماره المرجوة، خاصة مع وجود أكثر من مسؤول يمثل الحكومة العراقية في هذه القضايا، كان لابد من أن تسمي الحكومة العراقية لجنة تمثلها برئيس واحد وعضوية عدد من الموظفين كما هو الحال في اللجنة السعودية، ويكون لهاتين اللجنتين اجتماعات نصف سنوية يتفق على مكانها وزمانها بوقت كافٍ، وهذا هو أحد ثمار لقاء روضة التنهات.
اجتماع الجديدة سنة 1363هـ- 1944م
وصلت اللجنة السعودية موضع الجديدة برئاسة الأمير عبدالعزيز السديري ظهر يوم الخميس 18 شوال 1363هـ، الموافق 5 أكتوبر 1944م وتبودلت الزيارات فيما بين أعضاء اللجنتين (السعودية- العراقية)، حيث كانت المبادرة الأولى من المندوبين العراقيين في مساء اليوم الأول (الخميس)، وفي اليوم التالي (الجمعة) قام أعضاء اللجنة السعودية برد الزيارة لمقر مخيم أعضاء اللجنة العراقية، وتمت خلال هذه الاجتماعات بحث القضايا الحدودية المتعلقة بين البلدين وتبودلت تجاهها وجهات النظر، وكان الاتفاق على أن تقوم كل لجنة بحصر قضاياها في كشف واحد تتقدم به إلى اللجنة الأخرى لتدرس كل لجنة كشف قضايا الجهة الأخرى ثم بعدها تجتمع اللجنتان لمناقشة هذه القضايا وتصدر توصياتها حيالها.
وقد أصبح هذا هو النهج المعتمد لمناقشة القضايا الحدودية في الاجتماعات اللاحقة كما سيأتي بيانه.
ومن اللاسلكي المتنقل بالجديدة أبرق الأمير عبدالعزيز السديري إلى الأمراء الذين وقعت داخل نطاق إمارتهم قضايا الحدود السعودية-العراقية يطلب منهم المعلومات التفصيلية لكل قضية. وتم إعداد كشف بقضايا الحدود السعودية وتسليمه للجنة بخطاب رسمي موضحًا فيه اسم رئيس اللجنة وعدد القضايا التي يحتويها الكشف وهي مائة وسبع وسبعون قضية حدودية، في حين تقدم رئيس اللجنة العراقية إلى رئيس اللجنة السعودية بكشفين يحتوي الكشف الأول على ست عشرة قضية، والكشف الثاني على تسع قضايا والمجموع هو خمس وعشرين قضية.
وتلقى الأمير عبدالعزيز السديري توجيها من الملك عبدالعزيز بالحصول على تفاصيل بعض قضايا الحدود من المفوضية السعودية في بغداد، التي لم تزوده بذلك ربما بسبب عدم ورود توجيهات صريحة لهم حتى ذلك الحين.
اجتمعت اللجنتان بكامل أعضائها في يوم الثلاثاء 23 شوال 1363هـ، الموافق 10 أكتوبر 1944م لمناقشة القضايا المحصورة داخل الكشوفات المقدمة، واتضح أن هناك قضايا ناقصة البيانات وتحتاج زيادة إيضاحات فاقترحت اللجنة السعودية أن يؤجل النظر في القضايا غير المكتملة وإعادة هذه القضايا لإجراء مزيد من التحقيقات وتوضيح المعلومات الناقصة حولها.
وكان من الموضوعات التي تمت مناقشتها في الاجتماع: مقدار ديّة المقتول في قضايا القتل الواردة في الكشوفات فأوقفت اللجنة العراقية الحديث في هذا الموضوع لعدم توفر صلاحيات تخولها مناقشة ذلك، وليس هو الموضوع الوحيد الذي اعتذرت اللجنة العراقية عن مناقشته، كذلك قضية إبل مشهورة رفضت اللجنة العراقية الخوض فيها بحجة عدم صلاحيتها بذلك، ما يدل على عدم وصول اجتماع الجديدة إلى حل كثير من موضوعات قضايا الحدود التي تم حصرها في تلك الكشوفات على الرغم من مناقشتها لها عدة أيام، الأمر الذي جعل الأمير عبدالعزيز السديري يرفع للملك عبدالعزيز برقية يقول فيها: «بما أن القضايا تحتاج إلى تحقيق وإعادة نظر من جديد فهل يرى جلالة مولاي أن نطلب منهم الموافقة على عقد اجتماع آخر يحضره موظف من حكومتنا وموظف من حكومتهم، ويحدد له موعد معلوم للبت فيها، أم توكل رؤية ذلك والبت فيه إلى الجهات المختصة بعد إكمال التحقيقات اللازمة، ننتظر إرشادات جلالتكم بما تستحسنوه».
هذا إضافة للتجاوزات التي حصلت من جانب اللجنة العراقية كاستضافتها لشخصيات غير رسمية وليس لها عضوية في اللجنة العراقية في مكان الاجتماع خلال فترة انعقاده.
ونتيجة لهذا الوضع غادرت اللجنة السعودية موضع الجديّدة إلى مدينة القريات ووصلتها يوم الخميس 3 ذي القعدة 1363هـ، الموافق 19 أكتوبر 1944م، فكان توجيه الملك عبدالعزيز بأن يعود الشيخ عبدالعزيز بن زيد - رحمه الله - إلى عمله في الشام، وعلى بقية أعضاء اللجنة الانتظار حتى تصل كامل الأوراق والكشوفات التي بعثت بها اللجنة إلى الملك عبدالعزيز ليطلع عليها ويتحقق من تفاصيلها.
وبعد وصول الكشوفات والتقارير إلى الملك عبدالعزيز واطلاعه عليها بدأ بمناقشة الأمير عبدالعزيز السديري فيها عن طريق البرقيات، وكان الأمير عبدالعزيز السديري يجيب عن تلك التساؤلات الواردة بالبرقيات - أيضًا- ومن أمثلة ذلك قوله: «إننا وكما بينت سابقا بحثنا مع اللجنة العراقية تحديد الدية واستصوبوا رأينا لكنهم استصعبوا البت في مقدارها ما لم يأخذوا رأي حكومتهم، وطلبوا أن يجعل ذلك اقتراح ملحق بالقرار المتعلق بالاجتماع، كما بحثنا معهم مسألة التعديات التي تقع على القفول [القوافل]، وأفادنا مدير مركز السلمان أن القضية كانت نتيجة غلطة كون القفول ظنوا أن الجنود غزاة وأطلقوا عليهم النار، والجنود ظنوا أن القفول مهربين وأطلقوا عليهم النار، وقضيتهم متعلقة بالمحاكم الأهلية وتنظر فيها وقد بُرّأ خمسة منهم ورددنا عليهم جميع جمالهم وحمولهم [بضائعهم]، وأربعة تحت المحاكمة، وتعهد لنا أنه سيسعى في إطلاقهم فور عودتهم».
وانتهت مناقشات الملك عبدالعزيز للجنة بالرضا والثناء على جهودها المبذولة في الدفاع عن حقوق قضايا الحدود السعودية، ورفع الأمير عبدالعزيز السديري شكره وشكر أعضاء اللجنة بالنيابة عنهم للملك عبدالعزيز آملاً أن يكون عمل اللجنة قد نال رضى جلالة الملك وأن تكون اللجنة قد حافظت على مصالح الدولة وحقوق مواطنيها، وكتب تقريرًا مفصلاً جاء فيه: «بسم الله ملحق خير وسرور إن شاء الله.. لأعتاب مولاي الملك المعظم، وصلنا الجديدة ووجدنا اللجنة العراقية قد وصلت قبلنا فزارونا واعتذروا لنا عن تأخرهم في الموعد الأول ودعوناهم للعشاء ثم تبادلنا كشوف المدعيات بغية درسها من الجانبين ومن ثم ابتدأنا بالمحادثات على صفة ما عرضنا لجلالتكم برقيًا، وقد استمر البحث بيننا وبينهم عشرة أيام استعرضنا جميع المدعيات وبحثنا في كل قضية على حدتها وفي أثناء البحث يقع بيننا وبينهم بعض اختلاف بالنظريات [وجهات النظر] .. ورأينا أن أحزم عمل لحفظ حقوق رعايانا، أولاً: أن نحاول إثبات ما يستطاع إثباته منها، ثانيًا: محاولة إقناعهم بالموافقة على عقد مؤتمر آخر بعد ستة أشهر يحضره شخصان أو أكثر للبت في المدعيات التي تحتاج إلى زيادة إيضاحات وإثباتات، وأن يقرر أن تجري السلطات الحكومية التحريات والتحقيقات في أثناء هذه المدة لكي يتسنى للموظفين في الاجتماع المقبل أن يتوصلوا إلى إيضاحات أكثر، أمام المندوبين اللذين تعينهما الحكومتان لحسم القضايا التي لم يتسن لهذه اللجنة حسمها، لذلك اقترحنا وعلى هذا أثبتنا كشوف مدعياتنا ووضعنا كل قضية في ورقة خاصة بها مذيلة بما تقرر عليها من قبل اللجنة وملاحظاتنا لكل جهة ما يلزم اتخاذه نحوها من البيانات والإيضاحات مع أننا جعلنا دعاوي كل جهة على حدة ليسهل على أميرها عمل ما يجب إجراؤه نحوها، لذا نسترحم أمركم إلى جهات الاختصاص بما يلزم إذا يستحسن النظر العالي ذلك. ثالثًا: حاولنا الاتفاق معهم على مقدار دية القتيل فامتنعوا بحجة عدم صلاحياتهم ولكن وضعنا وإياهم اقتراح على الحكومتين بضرورة تحديد الدية، كما أننا أيضًا حاولنا أن يوافقوا على اعتبار الشهادة عند تدوينها لدى سلطة رسمية كشهادة شرعية فتوقفوا أولاً ثم أخيرًا وافقوا على وضعها بصيغة اقتراح لعرضها على الحكومتين نرفعها مربوطة بالقرار للاطلاع عليها وصدور الأمر بما يراه جلالتكم».
ويتضح من البرقيات اللاحقة أن المراسلات والبرقيات استمرت فيما بين الحكومتين السعودية والعراقية وكان هناك تعاون أسفر عن نتائج إيجابية أدت إلى استحصال كثيرًا من الحقوق.
وعلى الرغم من ذلك كان هناك قضايا حدودية ظلت معلقة وتحتاج معلومات تفصيلية مشتركة بين اللجنتين السعودية والعراقية وهو ما جعل الحاجة ملحة لضرورة عقد اجتماعات أخرى كما سيأتي بيانه.
اجتماع المعانية سنة 1364هـ- 1945م
عقد الاجتماع في يوم الخميس 7 جمادى الأولى 1364هـ، الموافق 19 أبريل 1945م وتقدمت خلاله اللجنة العراقية بكشف مكون من ثلاث ورقات تحتوي على عدد (20) قضية غير مؤرخة الحوادث وغير مكتملة المعلومات التفصيلية، وكتبت عليها اللجنة السعودية: يتوسع في التحقيق وتدون المعلومات الناقصة.
اجتماع روية الصحن سنة 1364هـ- 1945م
انعقد الاجتماع في يوم السبت 6 رجب 1364هـ، الموافق 16 يونيو 1945م، بين مندوب اللجنة السعودية سليمان الشنيفي أمير لينة ومندوب اللجنة العراقية مطشر السعدون مدير إدارة البادية الشمالية، حيث تقدمت اللجنة السعودية بكشف خلال الفترة من 1 ربيع الأول حتى 29 جمادى الثاني سنة 1364هـ، يتكون من ورقتين تتضمنان عدد(7) قضايا، في حين تقدمت اللجنة العراقية بكشف خلال الفترة من 10 مارس حتى 2 يونيو 1945م، يتكون من ثلاث ورقات تتضمن عدد (9) قضايا.
وجاء البيان الختامي للاجتماع كالتالي: «بسم الله الرحمن الرحيم بناء على الاتفاق الحاصل بين الحكومتين الموقرتين: حكومة صاحب الجلالة ملك المملكة العربية السعودية وحكومة صاحب الجلالة ملك العراق، عقد اجتماع مؤلف من أمير لينة سليمان الشنيفي ومدير إدارة البادية الشمالية مطشر السعدون للنظر في كافة القضايا المتعلقة برعايا المملكتين، والتي حدثت من تاريخ 10- 3- 1945م الموافق 24- 6- 1364م لغاية 2- 6- 1945م الموافق 6- 7- 1364هـ، واجتمعا في روية الصحن من 26 جمادى الثاني 1364هـ، الموافق 7 حزيران 1945م إلى يوم 6 رجب 1364هـ، وتبودلت قوائم القضايا المتعلقة برعايا الحكومتين بغية درسها درسًا كافيًا والنظر في كل قضية على انفرادها، وقد تناول هذا الاجتماع المشترك جميع القضايا وتدقيقها خلال الجلسات التي عقدت في 26 جمادى الثانية 1364هـ، الموافق 10 حزيران 1945م إلى غاية 6 رجب، الموافق 16 حزيران، وبعد درس هذه القضايا تقرر على كل قضية ما اتفق عليه في الحل والكيفية وفق الشرح المبين في كل صحيفة من صحائف الجداول المتسلسلة والحاوية سبع قضايا من الجانب السعودي وتسعة قضايا من الجانب العراقي، وقد جاءت القرارات على القضايا متفق عليها من الجميع، ودمتم.
اجتماع الهبارية سنة 1364هـ- 1945م
من خلال برقيات الاستعداد لهذا الاجتماع تتضح الخبرات المكتسبة لدى رئيس اللجنة الأمير عبدالعزيز السديري الذي شرع في تلك الاستعدادات قبل بداية موعد الاجتماع بوقت كافٍ من حيث الحرص على جمع المعلومات التفصيلية لكل قضية، وكذلك حرصه أيضًا على توفير جميع مستلزمات الاجتماع وتفقده لوسائل الاتصال اللاسلكية وغيرها في وقت مبكر جدًا.
وكان اقتراح موضع الهبارية لتكون مكان الاجتماع قدم من اللجنة العراقية، حيث رفع مدير إدارة البادية الشمالية العراقية إلى الأمير عبدالعزيز السديري برقية يقترح فيها ذلك الموضع مع الموعد المقترح للاجتماع، ويتضح من خلال البرقيات المتداولة بهذا الشأن فيما بين الملك عبدالعزيز والأمير عبدالعزيز السديري أن الحكومة العراقية تقدمت بهذا المقترح -أيضًا- للمفوضية السعودية في بغداد وأن الأمير عبدالعزيز السديري قد اطلع عليه قبل أن تصله برقية مدير إدارة البادية الشمالية العراقية، حيث يقول الأمير عبدالعزيز السديري في برقيته التي رفعها للملك عبدالعزيز: «لا بد أنه اطلع مولاي على برقية مدير البادية الشمالية العراقية التي يقترح فيها أن يكون محل الاجتماع في الهبارية، والموقع المذكور مكينة ارتوازية قرب مركز تنحيب داخل العراق؛ فإن رأى مولاي نجيبه بالموافقة. أيضًا يذكر أن تاريخ الاجتماع في 21 الحجة الموافق 26 تشرين الأول، بينما في برقية المفوضية ببغداد الواردة إلى الديوان بأن التاريخ هو 20 القعدة، فنسترحم الأمر بسؤال المفوضية عن حقيقة ذلك خشية أن يقع اختلاف في موعد الاجتماع، والتفضل بإخباري حرسكم الله بعنايته».
وجاء رد الملك عبدالعزيز على الأمير عبدالعزيز السديري في البرقية التي يقول فيها: «من طرف المحل الذي ذكرتم (الهبارية) لا بأس نوافق عليه وأجيبوهم بالموافقة، أما تاريخ الاجتماع فقد كتبنا للمفوضية نستوضح عن صحته؛ وكذلك سألونا عن أسماء المندوبين في اللجنة السعودية وأخبرناهم أنك الرئيس ومعك: سليمان الشنيفي وابن عبدالواحد».
فكتب الأمير عبدالعزيز السديري إلى مدير إدارة البادية الشمالية العراقية يقول: «نوافق على أن يكون محل الاجتماع في الهبارية كما رغبتم، ونرجو إخبارنا عن صحة تاريخ الاجتماع حيث التبليغ الذي عندنا هو أن يكون في 20 القعدة 1364هـ، الموافق 26 أكتوبر 1945م، وأنتم ذكرتم أنه في 20 تشرين الأول 1945م، الموافق 21 الحجة 1364هـ. منتظرين الإفادة وتقبلوا فائق الاحترام».
وورد من المفوضية السعودية في بغداد أن التاريخ الصحيح هو 20 ذو القعدة، فأبرق الأمير عبدالعزيز السديري إلى مدير إدارة البادية الشمالية العراقية بتأكيد هذا التاريخ موعدًا للاجتماع.
كما قام الأمير عبدالعزيز السديري بتقديم ملخص لهذه البرقية إلى أعضاء اللجنة الذين معه، وحرّص الملك عبدالعزيز جميع الأعضاء ببرقيات منه مباشرة للاستعداد لمرافقة الأمير عبدالعزيز السديري للقاء مندوبي اللجنة العراقية.
ولعل من أبرز المشكلات التي واجهت الأمير عبدالعزيز السديري خلال جمعه للمعلومات التفصيلية لبعض قضايا الحدود السعودية هو أن مدير إدارة البادية الشمالية العراقية كان يعتذر عن تزويده بتلك المعلومات التفصيلية معللاً ذلك الاعتذار؛ أن هذه القضايا وقعت خارج نطاقه الإداري وأن على اللجنة السعودية التواصل مع مدير إدارة البادية الجنوبية العراقية بشكل مباشر للحصول على تلك المعلومات، مما جعل الأمير عبدالعزيز السديري يجعل البرقيات المرفوعة منه مكررة لكل من: مدير إدارة البادية الشمالية العراقية ومدير إدارة البادية الجنوبية العراقية وصورة منها للديوان الملكي السعودي.
ويبدو أن دخول مدير إدارة البادية الجنوبية على الخط قد أحدث تغييرات من الجانب العراقي فيما يتعلق بتوحيد اللجنة العراقية في رئيس واحد وتغيير المكان المتفق عليه مسبقًا كما سيأتي.
اجتماع المعانية الثاني سنة 1364هـ- 1945م
وصل الأمير عبدالعزيز السديري إلى حفر الباطن قبل موعد الاجتماع بوقت كافٍ، حيث وصلها يوم الأربعاء 11 ذو القعدة 1364هـ، الموافق 17 أكتوبر 1945م لكنه تأخر فيها بسبب الانقطاع من البنزين وتعطل إحدى سيارات اللجنة السعودية هناك.
وفي الحفر تفاجأ الأمير عبدالعزيز السديري ببرقية من رئيس اللجنة العراقية يطلب فيها تغيير مكان الاجتماع إلى المعانية بدلاً من الهبارية في نفس الموعد المتفق عليه مسبقًا، فأبرق الأمير عبدالعزيز السديري بالموافقة جوابًا على ذلك.
ويتبين لنا من خلال البرقيات المتداولة أن الأمير عبدالعزيز السديري لم يكن قادمًا من القريات للحفر، بل كان قادمًا إليها من الغاط.
اجتماع روية السهل سنة 1366هـ- 1947م
كان الاجتماع في يوم الاثنين 1 جمادى الأول 1366هـ، الموافق 24 مارس 1947م، وحضره الأمير فهد [الملك فيما بعد] رحمه الله مع خاله الأمير عبدالعزيز السديري.
ومن خلال كشوفات الاجتماع تظهر القضايا الحدودية التي تمت مناقشتها مع اللجنة العراقية في ذلك الاجتماع وفق ما يلي:
أولاً- الكشف الأول: مكوّن من عشرة أوراق، الورقة الأولى بعنوان: «القضايا الجنوبية العراقية»، وفيها ست قضايا خمس منها منتهية، والسادسة تقرر تأجيلها للحصول على معلومات تفصيلية عنها.
أما الورقة الثانية: تضمنت عدد (14) قضية كلها تتعلق بالإبل وتقرر إعادتها عدا ما لم تثبت الأدلة عليه أو أن التحقيق لا يزال جاريًا فيها، وعدد الإبل المعادة في الورقة الثانية هو (143) وبندقية وعشرون طلقة وحزام وخنجر.
وتناولت الورقة الثالثة: عدد (12) قضية كلها تتعلق بالإبل التي تقرر إعادة (74) منها ثبت حق دعواها، وقد تخلل ذلك الغزو ارتكاب جريمة القتل فتقرر دفع دية القتيل وقدرها (200) دينار.
أما الورقة الرابعة: فتناولت عدد (12) قضية تتعلق بالإبل التي تقرر إعادة (23) منها ثبت حق دعواها، في حين لم تثبت دعوى (6) منها وطلب إجراء مزيد من التحقيقات في ذلك.
وتناولت الورقة الخامسة: قضية واحدة صدر القرار فيها بإعادة عدد (14) من الإبل مع البندقية التركية القصيرة والعشر طلقات، وتحصيل مبلغ (25) دينار قيمة الذلول المقتولة، وتأجيل النظر في قضية جرح صاحب الإبل لما بعد شفائه من الأثر الذي خلفه الجرح؛ فإن كان معيبًا لليد فيعوض بنصف الدية المقررة، أما إذا كانت اليد غير معطلة فيقدر لها تعويض على قدر الجرح، أما إذا مات بهذا الجرح فتقوم السلطات باستحصال الدية.
وفي الورقة السادسة: ورد عدد (12) قضية تقرر في إحداها دفع دية القتيل وقدرها (200) دينار؛ وفي القضية التالية تقرر إعادة التسعة بنادق إلى أصحابها.
وتناولت الورقة السابعة: عدد (6) قضايا تقرر في إحداها إعادة جملين لأصحابها في حين اعتبرت أربعة من القضايا منتهية لأداء المدعى عليهم اليمين أمام اللجنة.
واحتوت الورقة الثامنة: على عدد (3) قضايا تقرر في الأولى منها إعادة جملين أصفر وأوضح.
وختمت هذه الورقة بجملة: «التقرير مطابق من الرقم 1 حتى الرقم 63» وتحتها توقيع رئيس اللجنة السعودية وتوقيع رئيس اللجنة العراقية.
أما الورقة التاسعة: كتبت بالحبر الأزرق خلاف الأوراق السابقة المكتوبة بقلم الرصاص، ما يدل على أنها كتبت في وقت لاحق - ربما أثناء الاجتماع - وقد تناولت هذه الورقة عدد (11) قضية كلها تتعلق بالإبل، عشرة منها قضايا ناقصة أو أن المدعى عليهم فيها متوفون واللجنة تطلب من المدعي تعيين الورثة واستكمال الإثباتات، والقضية المتبقية تناقش وجهة نظر اللجنة العراقية فيما يتعلق بالمدعي... أنه قد دخل العراق منذ (25) سنة وهذا أكسبه الجنسية العراقية بموجب القانون العراقي، لذا فاللجنة العراقية تعتبره عراقيًا وتضمّن دعواه ضمن كشوفها المقدمة إلى اللجنة السعودية في طلب استحصال عدد (95) من الإبل.وتناولت الورقة العاشرة: ملاحظات اللجنة السعودية وورد فيها: «تصر اللجنة على ما ورد طبقًا لوجهات النظر السابقة في (الجديدة) و(المعانية)».
وفي أسفل الورقة مكتوب وجهة النظر العراقية وورد فيها: «ليس للجنة العراقية ما تبديه أكثر مما بينته في (الجديدة والمعانية) وتؤيد للمرة الثالثة ما سبق أن ذكرته بهذا الشأن».
ثانيًا- الكشف الثاني: مكوّن من خمس أوراق متسلسلة وورقتين مرفقة بها، كتبت باللهجة العراقية التي يقلب فيها حرف القاف إلى كاف أو جيم، وتم خلط الأشهر العربية بالسنوات الميلادية خلال توثيق تواريخ الأحداث.
أيها الإخوة.. أيتها الأخوات:
كان اجتماع (روية السهل) آخر الاجتماعات التي ناقشتها لجنة الحدود السعودية العراقية برئاسة الأمير عبدالعزيز السديري الذي استمر في رئاستها حتى يوم الخميس 2 جمادى الآخرة 1368هـ، الموافق 30 مارس 1949م عندما أنيطت مهمة ترؤس لجنة الحدود السعودية العراقية بأخيه الأمير عبدالرحمن السديري - رحمه الله - كما سيأتي بيانه في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى.
** **
- د. نايف بن علي السنيد الشراري