محمد بن عبدالله آل شملان
رحم الله الشيخ الجليل والمعلم الفاضل ناصر بن مبارك بن جمعان آل خشيم وجعل قبره مملوءاً بالرضا والنور والفسحة والسرور، غادر هذه الدنيا جسداً ولكنه لن يغادرها اسماً، فاسمه سيظل باقياً في ذاكرة هذا الوطن، الذي لا يمكن أن ينسى الرجال الذين ساروا خلف وطنهم، في رحلة البناء والعلم والمعرفة.
كان ـ رحمه الله ـ أحد رواد التعليم في محافظة وادي الدواسر وأحد معلمي بدايات التعليم النظامي في المحافظة، يردد دوماً بأنه جاء إلى وادي الدواسر متعلماً ثم معلماً، فهو «طالب ومتعلم» متميز، بناء على المعايير التي تؤطر دراسته، ويلتزم بها وبآدابها، كما توظف في التعليم، وما اكتسبه خلال سنوات دراسته، ولكنه عمل عملاً استثنائياً بفكر يحمل مستقبلاً غير منظور، يقوم كل صباح بالمرور على منازل الطلاب الغائبين عن المدرسة وسؤال أهلهم عن سبب ومبررات غيابهم مشجعاً وداعماً، «وكانت المدرسة أحرص على الطلاب من أولياء أمورهم الذين لم يتعلموا ولم يدركوا أهمية العلم»، هذا ما كان يصف به الموظف المسؤول عن تعليم الطلاب في مدرسة «وادي الدواسر» قبل 75 عاماً، الدور الذي عاشه في بدايات عمله، والذي أحدث حالة إيجابية وتنويرية في مجتمعه، وأجزم بأن ما فعله هو من أسمى الأدوار وأنبلها.
قرأت بعضاً من الذكريات من الراحل ناصر بن مبارك الخشيم، التي سردها الأخ الإعلامي قبلان بن محمد الحزيمي في جريدة الجزيرة قبل 20 عاماً وكان يسردها بحب واعتزاز مشحون بالعاطفة، فهي تعيده إلى الأيام الأولى لنشأته ثم شبابه، وإلى بداياته التي رسمت له مساراً جديداً، وقرّبه من وطنه ذي الرؤية غير المسبوقة في الفكر والعلم والتعليم، واستوعب امتداد نظرة الملك عبدالعزيز وأبنائه من بعده ـ طيب الله ثراه ـ إلى مستقبل هذه الأرض الكريمة وأناسها، وشعر بأنه يجب أن يدلي بشهادته لهذا الوطن الذي ارتضى ترسيخ العقيدة الصحيحة وتوحيد المساحات والقلوب وجعل التعليم من أولوياته وتوجه بحبه للعلم وأهله.
كان ـ رحمه الله ـ قارئاً جيداً، مولعاً بقراءة التاريخ والقصص الإسلامية إلى جانب قراءة القرآن وكتب السيرة والتراث ويحب الاستماع إلى المذياع والتلفاز؛ مما زاد في ثقافته التاريخية والدينية، وكان له عدة مطالبات كتابية بما تحتاجه وادي الدواسر من مشاريع صحية وتعليمية وزراعية وغيرها من دون أن يعلم بها أحد، وكان زاهداً ورعاً صوّاماً ذا خلق رفيع.
رحلت يا ناصر آل خشيم عن دنيانا الفانية وقدمت على رب عظيم كريم رحيم، فاللهم اغفر له وارحمه وعافه واعفُ عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة، وقه فتنة القبر وعذاب النار، وكل العزاء لأبنائه وأسرته ومحبيه.